المَدرَسَةُ الطَّاوِيَّةُTaoist School
مدرسةٌ فلسفيَّةٌ رائدةٌ أخرَى فِي الصِّينِ القديمةِ تأسَّستْ فِي أواخرِ الرَّبيعِ والخريفِ، وتعتقدُ أنَّ «طَاو -Tao» هُو مصدرُ وجوهرُ العالَمِ (وقد اشتُقَّ اسمُ المدرسةِ منْ اسمِه).
تُعدُّ الطَّاويَّةُ واحدةً مِنْ مئاتِ المدارسِ الفكريَّةِ، عُرِفَتْ فِي الأساسِ باسمِ «مدرسةِ طَاو تِي -Tao Te» (كمَا سجَّلَها «سِيمَا تَان -Sima Tan» فِي «ماهيَّةُ المدارسِ السِّتَّةِ») بينَمَا عُرفتْ بهذَا الاسمِ لأوَّلِ مرَّةٍ فِي الكتابِ المُسمَّى (سجلَّاتُ أسرةِ «هَان -Han»).
وتشملُ قائمةُ الفَلاسِفَةِ الطَّاويِّين البارزِين كلّاً مِن: «لَاوتسِي -Laozi» (المُؤسِّسِ) و«غُوَان يِين -Guan Yin» و«تسُوَانغِسِي -Zhuangzi» و«بِنْغ مِنغ -Peng Meng» و«تِيَان بِيَان -Tian Pian».
والمدرسةُ تحترمُ «طَاو -Tao»، وتنظرُ إليه علَى أنَّه مصدرُ وجوهرُ القانونِ العامِّ للعالَمِ، كمَا تُؤمنُ بأنَّ «تعاليمَ الطَّاويَّةِ السَّماويَّةَ ليست مُكرهةً»، وأنَّ قانونَ «طاو -Tao» هُو أنْ يكونَ مَا يكونُ. وفِي ضوءِ هذَا الاعتقادِ، طوَّرَ الفلاسفةُ الطَّاويُّون بعضَ المذاهبِ والمبادئِ السِّياسيَّةِ والعسكريَّةِ المُميَّزةِ، مثلَ: الحكمِ دونَ استعمالِ الأيدِي، واستخدامِ الطَّريِّ لتغطيةِ الصُّلبِ.
كانَ «لَاوتسِي -Laozi» أوَّلَ منْ اعتقدَ بأنَّ «طاو -Tao» مصدرٌ وجوهرٌ للعالَمِ محتجّاً فِي ذلكَ بأنَّ «الطَّاو -Tao» قدْ وُلِدَ واحداً، والواحدُ وَلدَ اثنَين، والاثنان وَلدَا ثلاثةً، والثَّلاثةُ وَلدُوا أربعةً». واعتقدَ بخلودِ «الطَّاو -Tao»، لأنَّ كلَّ شيءٍ قدْ أتَى منْه، وسيعودُ إليْه فِي نهايةِ المَطافِ. وعلاوةً علَى ذلكَ، أظهرَ «لَاوتسِي -Laozi» احترامَه لِلـ«طَاو -Tao» باعتبارِه القانونَ العالميَّ، ولأنَّ «الرَّجُلَ يأخذُ قانونَه مِنَ الأرضِ، والأرضُ تستمدُّ قانونَها مِنَ السَّماءِ، والسَّماءُ تأخذُ قانونَهَا منَ «الطَّاو -Tao»، وقانونُ «الطَّاو -Tao» هُو كونُه مَا يكونُ.
وعلَى صعيدٍ آخرَ، فقد زعمَ أنَّ حركةَ «الطَّاو -Tao» تكونُ مسبوقةً بالمُتناقِضاتِ، مثلِ: الكينونةِ وعدمِها، والصَّلابةِ والطَّراوةِ، والقوَّةِ والضَّعفِ، والحظِّ وسوءِ الحظِّ، بالإضافةِ إلَى الازدهارِ والخفوقِ، وهذِه جميعاً -فِي نظرِه- أمورٌ مُتداخِلةٌ وقابلةٌ للتَّحوُّلِ. ومِنْ ثَمَّ، دعَّمَ «العملُ دونَ اعتداءٍ» علَى غرارِ («طَاو -Tao» الحكماء) الَّذِي حثَّ علَى الحُكمِ دونَ أيدِي، وعلَى استخدامِ ما هُو ليِّنٌ لتغطيةِ مَا هُو صلبٌ، باعتبارِها مبادئَ للاستراتيجيَّاتِ السِّياسيَّةِ والعسكريَّةِ.
وأكَّدَ نظريَّةَ المعرفةِ الخاصَّةَ بِه، والتي تنصُّ على مبدأِ «تنقيةِ روحِ المرءِ»، كمَا شجَّعَ علَى «رفضِ الأصواتِ السُّلطويَّةِ والحكمةِ المخادعةِ» منْ أجلِ جعلِ «النَّاسِ ذوِي عقولٍ صافيةٍ وإرادةٍ حرَّةٍ».
وقدْ نُقلَ تراثُ «لَاوتسِي -Laozi» الفلسفيُّ علَى يدِ «تسُوَانغِسِي -Zhuangzi» الَّذِي سلَّطَ الضَّوءَ علَى عدمِ القدرةِ علَى رؤيةِ «الطَّاو -Tao» وغموضِه، وأشارَ إلَى أنَّ «الطَّاو -Tao» لَه درجاتٌ وعلاماتٌ، لكن ليسَ لَه فعلٌ أو شكلٌ، وأنَّ بإمكانِه الانتشارُ بَيْدَ أنَّه لَا يُمكنُ أنْ يُدرَّسَ، ويُمكنُه الوصولُ إلا أنَّه لَا يُمكنُ أنْ يُرَى. كمَا آمنَ أيضاً أنَّ «الطَّاو -Tao» لَا يُمكنُ أنْ يُسمعَ أو يُرَى، وأنَّه لَا يُمكنُ أنْ يُسمَّى، لكنَّه -معَ ذلكَ- موجودٌ فِي كلِّ مكانٍ.
وقدْ طوَّرَ جدليَّاتِ «لَاوتسِي -Laozi» إلَى عددٍ منَ الأمورِ السَّفسطائيَّةِ النِّسبيَّةِ، زاعماً أنَّ «الحكمَ منْ منظورِ «الطَّاو -Tao» ينُصُّ علَى أنْ لَا شيءَ أشدُّ نبلاً منْ أيِّ شيءٍ آخرَ»، ولذَا «فكلُّ الأشياءِ مُتماثِلةٌ»، وأكَّدَ علَى أهمِّيَّةِ نسبيَّةِ المعرفةِ الإنسانيَّةِ والتَّناقُضاتِ فِي الفكرِ المنطقيِّ، وهِي العقيدةُ الَّتِي أدَّتْ إلَى النَّتيجةِ اللَّا أدريَّةِ.
وفِي علمِ الأخلاقيَّاتِ الاجتماعيِّ، طوَّرَ «تسُوَانغسِي -Zhuangzi» نظريَّاتِ «لَاوتسِي -Laozi» الَّتِي تدعِّمُ تقديرَ نبلِ ووقايةِ الحالةِ المزاجيَّةِ. فعلَى أحدِ الجوانبِ، شجَّعَ علَى القبولِ التَّامِّ لجميعِ ألوانِ السَّعادةِ فِي الحياةِ والخضوعِ التَّامِّ للطَّبيعةِ، فِي حينِ أنَّه علَى صعيدٍ آخرَ واصلَ التَّأكيدَ علَى حالةِ «الرَّجُلِ المثاليِّ» الَّذِي يُمكنُ لَه أنْ يتَّحدَ معَ الكونِ ليصيرِ واحداً.
وبتشاركِهمَا فِي نفسِ المبادئِ، وضعَ كلٌّ منْ: «لَاوتسِي -Laozi» و«تسُوَانغسِي -Zhuangzi» الأُسسَ لمدرسةِ «لَاو تسُوَانْغ -Lao-Zhuang» الَّتِي أنتجتْ أعمالاً جوهريَّةً تشملُ الـ: «لَاوتسِي -Laozi» و«تسُوَانغسِي -Zhuangzi» و«لِيسِي -Liezi».
ومدرسةُ «هُوَانْغ لَاو -Huang-Lao» إحدَى المدارسِ الطَّاويَّةِ الفرعيَّةِ الأخرَى، الَّتِي استوعبتْ وأصلحتْ نظريَّاتِ «لَاوتسِي -Laozi» عن «الطَّاو -Tao».
وقدْ حاولَ بعضُ العلماءِ الَّذِين أسَّسُوا هذَا الحزب النَّظرَ إلَى «الطَّاو -Tao» منْ منظورٍ ماديٍّ. فعلَى سبيلِ المثالِ، طوَّرَ كتابُ «غُوَانسِي -Guanzi» نظريَّةَ «لَاوتسِي -Laozi» بأنَّ مَا يجعلُ «الطَّاو -Tao» محسوساً هِي الطَّاقةُ داخلَه، وانتهَى إلَى أنَّ «الطَّاقةَ والقوَّةَ» هُمَا مصدرُ وجوهرُ العالَمِ. وأشارَ كتابُ «هُوِينَانسِي -Huainanzi» أيضاً فِي فصلِه الافتتاحيِّ المُسمَّى «البحثُ عنْ «الطَّاو -Tao» أنَّ «الطَّاو -Tao» هُو اتِّحادُ الطَّاقةِ بينَ كلٍّ منْ «يِين -Yin» و«يَانْغ -Yang».
وعلَى النَّقيضِ منْ ذلكَ، ظلَّ بعضُ العلماءِ علَى اعتقادِهِم أنَّ «الطَّاو -Tao» ليسَ لَه «صُورةٌ محسوسةٌ»، كمَا تكمنُ إحدَى المَيِّزَاتِ الَّتِي تمتازُ بِهَا مدرسةُ «هُوَانْغ-لَاو /Huang-Lao» الفرعيَّةُ فِي أيدولوجيَّتِهَا السِّياسيَّةِ، فعلَى الرَّغمِ منْ أنَّهَا تقومُ علَى مبدأِ الطَّاويَّةِ فِي الحكمِ دونِ استخدامِ الأيدِي، إلَّا أنَّها قدِ استوعبتِ المبادئَ الكونفشيوسيَّةَ: «الحكمَ الخيريَّ»، و»المبدأَ القانونيَّ» (الحكمُ بالقانونِ)، و»المفاهيمَ المنطقيَّةَ» (الأشكالُ والأشخاصُ)، ونتيجةً لذلكَ دعَّمَ مبدأً سياسيّاً يختلفُ عنِ «الحكمِ غيرِ الفعَّالِ» الَّذِي دعتْ لَه مدرسةُ «لَاو-تسُوَانْغ /Lao-Zhuang» الفرعيَّةُ.
وقدْ بلغتْ أيديولوجيَّةُ «هُوَانْغ-لَاو /Huang-Lao» أوجَهَا فِي أوائلِ عهدِ أسرةِ «هَان -Han»عندَما اهتمَّتْ بهَا الطَّبقةُ الحاكمةُ علَى نحوٍ كبيرٍ، ثُمَّ انحدرتْ علَى نحوٍ تدريجيٍّ بعدَ أنِ اعتلَى الإمبراطورُ «وُو -Wu» (أحدُ أباطرةِ أسرةِ «هَان -Han») سدَّةَ العرشِ.
تشملُ قائمةُ الأعمالِ الجوهريَّةِ لهذِه المدرسةِ: «هُوَايْنَاسِي -Huainanzi» و«استقرارُ الأحكامِ»، و«غُوَانسِي -Guanzi» الَّذِي تشتملُ فصولُه علَى فنِّ العقلِ وتنقيةِ العقلِ والتَّدريبِ الدَّاخليِّ. وقدْ أثَّرتِ المدرسةُ الطَّاويَّةُ بشدَّةٍ علَى الفلسفةِ والثَّقافةِ اليونانيَّةِ.
وخلالَ عهدِ أسرةِ «هَان -Han»، تمَّ توارثُ العديدِ مِنْ نظريَّاتِها منْ قِبَلِ بعضِ الأتباعِ غيرِ الرَّسميِّين للكونفوشيوسيَّةِ، مثل: «يَانْغ شِيُونْغ -Yang Xiong» و«وَانْغ تشُونْغ -Wang Chong» و«هُوَان تَان -Huan Tan».
وخلالَ عهدِ أسرتَي «وِيي -Wei» و«جِين -Jin»، وفَّرتْ مصدراً تنظيريّاً هامّاً لعلماءِ مَا وراءَ الطَّبيعةِ. وخلالَ عهدِ أسرتَي «سُونْغ -Song» و«مِينْغ -Ming»، تمَّ استيعابُ العديدِ منْ أفكارِهَا علَى يدِ مدرسةِ المبادئِ الكونفوشيوسيَّةِ الصَّحيحةِ، كمَا أُثَّرتْ بشدَّةٍ علَى تأسيسِ وتطويرِ الطَّاويَّةِ والبوذيَّةِ الصِّينيَّةِ.