عِلمُ الأَسَاطِيرِ الصِّينِيَّةِChinese Mythology
يشيرُ ذلِكَ المصطلحُ لمجموعِ الأساطيرِ الموجودةِ في المنطقةِ الجغرافيَّةِ التَّاريخيَّةِ للصِّينِ لتشملَ الأساطيرَ المرويَّةَ باللُّغةِ الصِّينيَّةِ، أوْ بغيرِها مِنَ اللُّغاتِ، سواءٌ نُقلتْ مِنْ طريقِ عِرقِ «هَان - الصِّينيِّ أم عِرقٍ آخَر، (تَمَّ تسجيلُ 65 عِرقاً منهُم في الإدارةِ الصِّينيَّةِ الحاليَّةِ). وتُصوِّرُ الأسطورةُ الصِّينيَّةُ، الَّتي تتمتَّعُ حقيقةً بتاريخٍ طويلٍ، التَّجربةَ الخارقةَ للطَّبيعةِ الَّتي أتتْ على يدِ الأبطالِ المحبوبِينَ، وقدْ قامَ المؤرِّخُونَ بتسجيلِ دليلٍ علَى فكرةِ الرَّمزيَّةِ في الميثولوجيَا الصِّينيَّةِ مِنَ القرنِ الثَّانِي عشرَ قبلَ الميلادِ بخطوطِ عظمِ - الكاهنِ. وتناقلَ الصِّينيُّونَ الأساطيرَ قبلَ نحوِ أَلْفِ عامٍ مِنْ تسجيلِها بالكتابةِ في مؤلَّفاتٍ مثلِ أدبيَّاتِ الأنهارِ والجبالِ، وقدْ كانَ للوثائقِ التَّاريخيَّةِ الإمبراطوريَّةِ والقوانينِ الفلسفيَّةِ دورٌ في حفظِ الأساطيرِ السَّابقةِ، ومِنْ ذلِكَ «كتابُ الأغانِي» و«كتابُ الوثائقِ» و«كتابُ التَّغييراتِ» و«سجلَّاتُ المُؤَرِّخِ» و«أدبيَّاتُ الطُّقوسِ» و«جُوَانْغِزِي». ورغمَ ذلِكَ نجدُ أنَّ كُتبَ «أدبيَّاتِ الجبالِ والبحارِ» وأغانِيَ «تُشُو -Chu» و«كتاباتِ الأميرِ «هُوَايْنَان -Huainan» تحتوِي كمّاً أكبرَ مِنَ الأساطيرِ ذاتِ الحبكةِ الدِّراميَّةِ، كمَا تنوَّعتِ الأساطيرُ الصِّينيَّةُ تبعاً لتنوُّعِ ثقافاتِ المجموعاتِ العِرقيَّةِ المُتمايزةِ في الصِّينِ مِنْ حيثُ مصطلحاتُ المقاطعاتِ المختلفةِ، ونتجَ عنْ ذلِكَ تعدُّدُ نُظُمِ الميثولوجيَا الصِّينيَّةِ بينَ نظامِ «تُشُو -Chu» في الجنوبِ، والصِّينِ المركزيَّة في الشَّمالِ، ونظامِ «كُونْلُونَ -Kunlun» غرباً، وأخيراً النِّظامِ «البِنْغلاي -Penglai» شرقيِّ البلادِ. وقدْ تشاركتِ المجموعاتُ العِرقيَّةُ تلكَ الأنظمةَ على نطاقٍ واسعٍ مع بقاءِ النُّسخِ المُميِّزةِ لكلِّ عِرقٍ عنْ غيرِه، وهو ما أغنَى ذخيرةَ الميثولوجيَا الصينيّة وأثراهَا.
وفيمَا يتعلَّقُ بالخَلْقِ في الأسطورةِ الصِّينيَّةِ، كانتْ أساطيرُ بَانْجُو في الجنوبِ أكثرَ أهميَّةً، إذ يُعَدُّ مُرهَفَ الشُّعورِ، والخالقَ الأوَّلَ، خَالِقَ الأَرْضِ وَالسَّماءِ (كما تزعم تلك الأساطيرُ)، وتقدِّمُ أساطيرُ بانجو الفهمَ النِّهائيَّ للصِّينِ القديمةِ عنْ نشأةِ الكونِ. أمَّا عنِ النِّظامِ الميثولوجيِّ في الشَّمالِ، فقدْ خلقَ «نُوَا»، الَّذي يُعتقَدُ أنَّه خلقَ البشرَ مِنْ صلصالٍ طلباً للرُّفقةِ فتمَّتْ عبادتُه بوصفِهِ السَّلفَ الأوَّلَ للبشريَّةِ، وهذا يُفسِّرُ نشأةَ الجنسِ البشريِّ. وفي أسطورةِ «غُونْغ غُونْغ -Gonggong» و«تشوَانْشُو -Zhuanxu»، تنافسَ هذان طلباً لموقعِ إمبراطورِ السَّماءِ، فقامَ «غُونْغُ غونْغ -Gonggong» بتدميرِ أعمدة السَّماءِ، فمالتِ السَّماءُ نحوَ الشَّمالِ الغربيِّ، ومالتْ معهَا الشَّمسُ والقمرُ ومجموعةُ النُّجومِ نحوَ الشَّمالِ الغربيِّ أيضاً، في حينِ أنَّ الأرضَ مالتْ بمَا عليهَا مِنْ أنهارٍ باتِّجاهِ الجنوبِ الشَّرقيِّ. وتعكسُ تلكَ الأسطورَةُ الملاحظةَ الصِّينيَّةَ القديمةَ والفهمَ الَّذي توصَّلَ إليه الصِّينيِّونَ بشأنِ السَّماءِ والأرضِ. أمَّا أدبيَّاتُ الجبالِ والبحارِ وكتاباتُ الأميرِ «هُوَايْنَانَ -Huainan» فقدْ صوَّرتِ الميثولوجيَا الصِّينيَّةَ بالتَّركيزِ علَى جبلِ «كُونْلُون -Kunlun»، وفيها أحكمَ «هُوَانْغِدِي -Huangdi» (الإمبراطورُ الأصفرُ) -ويُعدُّ الحاكمَ الأوَّلَ للأمَّةِ الصِّينيَّةِ- سيطرتَه على العالَمِ جنباً إلى جنبٍ معَ «تَايْهَاو -Taihao» و«يَانْدِي -Yandi» و«شَاوْشَاو -Shaohao» و«تشوَانْشُو -Zhuanxu» والمَلِكَةِ الأُمِّ لِلْغَرْبِ. وقدْ عكسَ القتالُ الَّذي وقعَ بينَ «هُوَانْغِدِي -Huangdi» و«يَانْدِي -Yandi» منْ جانبٍ، وبينَ «هُوَانْغِدِي -Huangdi» و«تشِيُو -Chiyou» مِنْ جانبٍ آخرِ المعاركَ بينَ شعبِ «هُوَاشْيَا -Huaxia» والمجموعاتِ العِرقيَّةِ الأخرَى مثلِ «جِيُولِي -Jiuli» و«سَانْمِيَاو -Sanmiao». وقد جعلتْ قصَّةُ «يُو -Yu» العظيمِ وأبيهِ «غَن -Gun» النَّاسَ يبنُون قنواتٍ وسُدوداً، وتمَّ أخيراً حلُّ مشكلةِ الفيضاناتِ مِنْ خلالِ أسطورةٍ صينيَّةٍ مُتفرِّدةٍ تتعاملُ معَ كارثةِ الفيضاناتِ. وكحضارةٍ قديمةٍ، لا بدَّ مِنْ بذلِ مزيدٍ من الاهتمامِ بالأساطيرِ الصِّينيَّةِ الَّتي تتعاملُ معَ ثقافةِ نشأةِ الكونِ. ويمكنُ القولُ بأنَّ كلَّ حدثٍ ثقافيٍّ مهمٍّ مصحوبٌ بتفسيرٍ ميثولوجيٍّ مثلِ ثَقْبِ «سُوِيرِينَ -Suiren» للخشبِ لإشعالِ نارٍ، وقيام «شينونْغ -Shennong» (مزارع دينيّ) بتعليم القدامَى مهنتَي الزِّراعةِ والطِّبِّ، و«فُوشِي -Fuxi» الَّذي رسمَ ثمانيةَ نماذجَ مبتكِراً معَ رفيقِه «نُوَا -Nüwa» نظامَ زواجٍ، و«كَانْغجي -Cangjie» الَّذي ابتكرَ الخطوطَ الصِّينيَّةَ، إلى غيرِ ذلِكَ. وتـركِّـزُ ميثولوجيَا البنغلاي، الَّتي تطوَّرتْ في مراحل الرَّبيعِ والخريفِ وحروبِ الولاياتِ، على وصفِ جبالِ الخالدِينَ وسطَ البحارِ في الشَّرقِ، حيثُ تُصوِّرُ في المقامِ الأوَّلِ بحثَ الصِّينِ القديمةِ حول فكرةِ الخلودِ.
تضربُ الميثولوجيَا الصِّينيَّةُ بجذورِها عميقاً لتنحدرَ منْ مصادرَ قديمةٍ، وحتَّى الآنَ مَا زالَ يُروَى كثيرٌ مِنَ الأساطيرِ الكلاسيكيَّةِ الصِّينيَّةِ في بعضِ المناطقِ قليلةِ التَّحضُّرِ. وقدْ عملَ التَّطوُّرُ التَّاريخيُّ علَى جعْلِ الشَّخصيَّاتِ الأُسطوريَّةِ القديمةِ أكثرَ تعقيداً، فربَّمَا صوَّرَ أحدُ المشاهدِ شخصيَّةً كحاكمٍ خالدٍ خارقٍ للطَّبيعةِ، ثُمَّ أظهرته مشاهدُ أخرَى حاكماً مِن حُكَّامِ العالَمِ القديمِ. وتبعاً لذلِكَ التَّعاطِي المُتغايِرِ يعتقدُ البعضُ أنَّ هذِه الشَّخصيَّاتِ كانتْ يوماً خالدةً وخارقةً للطَّبيعةِ، ثُمَّ كتبَ عنهَا التَّاريخُ واستحالَتْ حُكَّاماً في مراحلَ تاريخيَّةٍ لاحقةٍ. إلَّا أنَّ البعضَ الآخرَ يعتقدُ أنَّ تلكَ الشَّخصيَّاتِ كانتْ حاضرةً في أساطيرَ أقدمَ، ثُمَّ تمَّ تخليدُها وتحويلُها إلى شخصيَّاتٍ خارقةٍ للعادةِ.
وقدْ حَفظتِ الكلاسيكيَّاتُ الأدبيَّةُ القديمةُ لكلِّ مجموعةٍ عِرقيَّةٍ على اختلافِها أساطيرَ قديمةً بداخلِها، مثلَ مكتوبِ تُومْبَا لشعبِ «نَاشِي -Naxi»، وسِجلَّاتِ «يِي -Yi» الجنوبيِّة الغربيِّة لشعبِ «يِي -Yi»، والتَّاريخِ السِّرِّيِّ لمَنْغُوليَا لشعبِ مَنْغُوليَا. وقدْ كانتِ الملحماتُ الأسطوريَّةُ الَّتي صاغتْها الأقلِّيَّاتُ العِرقيَّة مثلُ الأغانِي القديمةِ لشعبِ «مِيَاو -Miao» لَبِنَةً تسدُّ جانباً منْ النَّقصِ في منظومةِ أنواعِ الميثولوجيَا الصِّينيَّةِ.
وكجزءٍ من الاعتقاداتِ الدِّينيَّةِ القديمةِ، أبرزتِ الأساطيرُ مظاهرَ عبادةِ الشَّعبِ الصِّينيِّ القديمِ ومعبوداتِهم وأبطالَهم. وفي العصورِ القديمةِ، تمَّ بناءُ المعابدِ أوِ الأضرحةِ كأماكنَ للعبادةِ، وذلِكَ مثلُ مَعْبَدِ «بَانْغُو -Pangu»، ومَعْبَدِ «فُوشِي -Fuxi»، ومَعْبَدِ ضَرِيحِ «فُوشِي -Fuxi»، ومَعْبَدِ «نُوَا -Nüwa»، وضَرِيحِ «هُوَانْغِدِي -Huangdi» وضَرِيحِ «يَانْدِي -Yandi». إلى جانبِ ذلِكَ، تضمَّنتِ الأساطيرُ طابعاً سياسيّاً. وقدْ عَبَدَ أسلافُ شعبِ أسرةِ «تشو -Zhou» «هُوَانْغِدِي -Huangdi» فجعلُوا منْهُ نُصرَةً للسُّلطةِ الشَّرعيَّةِ (نصرةَ الحقِّ في العرشِ على أساسِ التَّحدُّرِ المباشِرِ)، في حينِ كانَ «تشِييُو -Chiyou» الصُّورةَ السَّلبيَّةِ المقابلةَ. وقامَ «غُن -Gun» بُغيةَ حلِّ سَيْلِ المشكلاتِ بسرقةِ التُّربةِ الزِّراعيَّةِ ذاتيَّةِ النُّموِّ دونَ سابقِ إذنٍ مِنْ إمبراطورِ السَّماءِ فعانَى كارثةً مُمِيتةً. وفي الميثولوجيَا الصِّينيَّةِ القديمةِ، دائماً وأبداً، باءَتْ حركاتُ التَّمرُّدِ بالفشلِ، وكانتِ الطَّريقةُ الوحيدةُ لنَيْلِ السُّلطةِ هيَ وراثةُ العرشِ، والَّذي حملَ في طيَّاتِه ملامحَ الحكمِ الإمبراطوريِّ. كمَا امتازتِ الأسطورةُ الصِّينيَّةُ بوعيٍ أخلاقيٍّ أعلَى، وأسهمتْ بنصيبٍ في تشكيلِ منظومةِ الأخلاقِ الاجتماعيَّةِ. وحظيَ جميعُ الرِّجالِ الَّذين أسدَوْا خدماتٍ جليلةً للبشريَّةِ عموماً بتمجيدٍ رفيعٍ في الميثولوجيَا الصِّينيَّةِ. وبهدفِ حمايةِ البشريَّةِ، قامَ «يِي -Yi» بإسقاطِ تسعِ شموسٍ أرضاً وبالتَّالِي حظيَ باحترامٍ يليقُ ببطلٍ، بَيْدَ أنَّه استحقَّ التَّعاطُفَ نتيجةَ تجربتِه المأساويَّةِ اللَّاحقةِ. ومنْ خلالِ توظيفِ الخيالِ الفنِّيِّ الاستثنائيِّ، تمَّ توظيفُ الميثولوجيَا الصِّينيَّةِ كمصدرِ ثراءٍ للكُتَّابِ والفنَّانِينَ، فتأثَّرتْ ألوانٌ كثيرةٌ مِنَ الفنونِ بالأسطورةِ الصِّينيَّةِ، على سبيلِ المثالِ، شِعرُ «تشُو يُوَان -Qu Yuan»، والنَّقشُ الحجريُّ البارزُ في أسرةِ «هَان»، والشِّعرُ الخالدُ، ورواياتٌ بوليسيَّةٌ في أسرتَي «وِي -Wei» و«جين -Jin» الشَّماليَّةِ والجنوبيَّةِ.