عَدَمُ الحَرَاكِ فِي الحُكْمِActionless Governance
يشيرُ هذا المُصطلحُ إلى النَّظريَّةِ الَّتي كانتْ دولةُ الصِّينِ القديمةُ تحكمُ في ضوئِها. اقترح «لَاوتسي -Laozi» النَّظريَّةَ للمرَّةِ الأُولى في نهايَةِ فترةِ الرَّبيعِ والخريفِ «770–476 ق.م»، حيثُ ظنَّ الرَّجلُ أنَّ العالَمَ قدْ بدأَ وتطوَّرَ مِنَ العدمِ بصورةٍ طبيعيَّةٍ، ومِنْ ثَمَّ فإنَّ البقاءَ بلا حَراكٍ هو الطَّريقةُ الوحيدةُ الَّتي تجعلُ البشرَ يُوائِمونَ قانونَ الطَّبيعةِ، وفي هذا الصَّددِ يقولُ «لَاوتسي -Laozi»: «لمْ يتخِذِ القدِّيسُونَ أيَّةَ خُطوةٍ نحوَ الحياةِ، ومِنْ ثَمّ تصرَّفوا على نحوٍ طبيعيٍّ وعلَّموا النَّاسَ بدونِ كلامٍ».
ونظريَّةُ «عدمِ الحَراكِ في الحُكمِ» هي الرُّؤيةُ السِّياسيَّةُ الأساسيَّةُ للطَّاويَّةِ، أمَّا عَن مُصطلَحِ «عدمِ الحَراكِ»، فإنَّه يعني أنَّ التَّجربةَ الماديَّةَ لا يجبُ أنْ تستحوذَ على البشرِ، ولكنْ يجبُ عليهم أنْ يتماشَوْا معَ قانونِ الطَّبيعةِ، كما تؤكِّدُ النَّظريَّةُ أنَّ عدمَ الحَراكِ يُعَدُّ المُقدِّمةَ والشَّرطَ الَّذي يُؤدِّي إلى أنْ يُحقِّقَ المرءُ هدفَه، إذْ تنصُّ على أنَّه: «إذا لمْ يتدخَّلِ الحاكمُ في «شُؤونِ شعبِه»، فإنَّه سيجعلُ بلدَه ينعمُ بالسَّلامِ والنِّظامِ»، وفي هَذا الصَّددِ، ينصُّ كتابُ « تاريخِ حُكمِ أُسرةِ هَانَ» على أنَّ الرُّؤيَةَ السِّياسيَّةَ للطَّاويَّةِ فيما يتعلَّقُ بنظريَّةِ «عدمِ الحراكِ في الحُكمِ» كانت كفنِّ الحُكمِ للمَلكِ أو الإمبراطورِ، حيثُ كانت توضَّحُ الرُّوحَ الأساسيَّةَ لسياساتِ عدمِ الحراكِ، وقبلَ فترةِ حُكمِ أُسرةِ «تشِين -Qin» أي الفترةُ قبلَ عامِ 221ق.م، كانت هناكَ العديدُ مِنَ الرُّؤى ووجهاتِ النَّظرِ حولَ نظريَّةِ «عدمِ الحراكِ في الحُكمِ»، والَّتي مِنْ بينها أنَّه: «لا يجبُ على الحاكمِ أنْ يسعى وراءَ المواهبِ الخاصَّةِ الَّتي مِن شأنِها جعْلُ المجتمعِ سلمِيّاً وهادئاً»، «لا يجبُ على الحاكمِ أنْ يُقيِّمَ البضائعَ الثَّمينةَ حتَّى لا يقعَ النَّاسُ في براثنِ السَّرقةِ»، و«انْبِذْ قدرةَ المرءِ ومهارتَه وعُدْ إلى البساطةِ»، و«توقَّفْ عَنِ الصَّلاحِ الدُّنيويِّ وعُدْ إلى الطَّبيعةِ البشريَّةِ»... إلخ، وفي هذا الصَّددِ يُصرُّ «تُشُوَانْغ تزُو» على أنَّ الأميرَ يجبُ أنْ يتَّسمَ بالانضباطِ الذَّاتيِّ وعدمِ الحراكِ والهدوءِ، «لوْ لمْ يكنْ لدى الملكِ رغبةٌ، فإنَّ بلدَه سيكونُ غنيّاً ومُكتفِياً، إذا ما ترك الملكُ رعيَّتَه ليعيشوا كما يريدُون، فإنَّهم سوفَ يزدهرُون بقُوَّةٍ ونشاطٍ، إذا ما ظلَّ الملكُ مُعتدِلاً في أفعالِه وهادئاً، فإنَّ رعيَّتَه سيعيشُون في سلامٍ ورضاً». كان لنظريَّةِ «عدمِ الحراكِ في الحُكمِ» تأثيرٌ كبيرٌ في الصِّينِ القديمةِ، حتَّى إنَّ نظريَّةَ «هُوَانْغ لَاو» في فلسفةِ الأيَّامِ الأُولى مِن حُكمِ أُسرةِ «هَان -Han» قدْ تضمَّنتْ هذه النَّظريَّةَ مِنَ الطَّاويَّةِ الَّتي كانتْ سائدةً في مرحلة ما قبل حكمِ أُسرةِ «تشِينْغ -Qin». تُلبِّي نظريَّةُ «هُوَانْغ لَاو -Huang Lao» مُتطَّلباتِ النَّاسِ مِن حيثُ الاستقرارُ المُجتمعيُّ، وذلكَ إبَّانَ الاضطرابِ السِّياسيِّ الَّذي شهدَتْه نهايةُ حُكمِ أُسرةِ «تشِينْ -Qin»، إذْ تؤكِّدُ هذه النَّظريَّةُ أنَّه يجبُ على الحاكمِ أنْ يكونَ هادئاً وعديمَ الحراكِ، كما نصحتْ بتخفيضِ الرُّسوم والضَّرائبِ، وإعادةِ تأهيلِ النَّاسِ، وعدمِ التَّدخُّلِ في الحياةِ السِّياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ للشَّعبِ مِن أجلِ طَمْأَنةِ النَّاسِ وتطويرِ النِّتاجِ المُجتمعيِّ، وقدْ أدَّتْ نظريَّةُ «هُوَانْغ لَاو -Huang Lao» حولَ عدمِ الحراكِ في الحُكمِ دوراً فاعِلاً في هذه الآونةِ، حيثُ اعتمدَ حُكَّامُ أُسرتَيْ «تَانْغ -Tang» و«تسُونْغ -Song» في بدايةِ عهدَيْهِما على هذه النَّظريَّةِ مِن أجلِ تسويةِ ومعالجةِ الصِّراعاتِ المُجتمعيَّةِ، وقدْ نَتَجَ عنْ ذلكَ تأثيرٌ مَرضيٌّ. وعلى الرَّغمِ مِن أنَّ المُتخصِّصينَ في عالَمِ ما وراءَ المادَّةِ في عهدِ كلٍّ مِن أُسرتَيْ «وِي -Wei» و«جِين -Jin» قدْ ساعدُوا ونشرُوا نظريَّةَ «عدمِ الحراكِ في الحُكمِ»، بَيدَ أنَّهم قادُوا النَّاسَ إلى غياهبِ حياةٍ سلبيَّةٍ انعزاليَّةٍ، غيرِ نشطةٍ، وإنْ كانتْ سعيدةً، وهو ما أثرَّ في المجتمع تأثيراً سلبياً.