ع

العَاصِمَةُ بِكِينُ خلال عَهدِ أُسْرَتَي «مينغ» و«تشينغ» الحَاكِمَتَيْنِ Capital Beijing (Peking) for Ming and Qing Dynastie

عاصمةُ الصِّينِ خلالَ عهدِ أُسرتَي «مينغ -Ming» و«تشينغ -Qing» الحاكِمتَينِ، وقد خضعتْ للتَّجديدِ والتَّوسيعِ عامَ 1421م خلالَ أوائلِ عهدِ أسرةِ «مينغ -Ming» الحاكِمةِ على أساسِ مدينةِ «يُوَان -Yuan» العاصمةِ العظيمةِ، وقد تَمَّ الإبقاءُ عليهَا وإضافةُ الكثيرِ مِنَ التَّحسيناتِ مِنْ حيثُ التَّخطيطُ والتَّصميمُ وفنُّ العمارةِ. حملتْ هذِه العاصمةُ طابعَ التَّخطيطِ التَّقليديِّ الصِّينيِّ، وكانتْ ذَاتَ أهمِّيَّةٍ كبيرةٍ في تاريخِ تشييدِ مدنِ الصِّينِ.

التَّارِيخُ

تولَّتْ أسرةُ «مينغ -Ming» مقاليدَ الحُكمِ عامَ 1368م، مُتَّخِذةً مِنْ مدينةِ «نَانْجينغ -Nanjing» (معناها العاصمةُ الجنوبيَّةُ) عاصمةً لهَا، وفي العامِ نفسه (العامِ الأوَّلِ مِنْ حكمِ الإمبراطورِ «هُونْغُوُو -Hongwu»)، أُعيدَتْ تسميةُ «يُوَان -Yuan» المدينةِ العظيمةِ لتصبحَ «ِبِيبِينغ -Beiping»، وفي عامِ 1403م (العامِ الرَّابعِ منْ حُكمِ الإمبراطورِ «يُونْغِلِي -Yongle» منْ أسرةِ «مينغ -Ming» الحاكِمةِ) اعتُمِدتْ مدينةُ «بِيبِينْغ -Beiping» عاصمةً للبلادِ، وتعنِي الكلمةُ حرفيّاً «العاصمةَ الشَّماليَّةَ -Northern Capital». تمَّ البَدْءُ في التَّشييدِ في العامِ الرَّابعِ مِنْ حُكمِ «يُونْغِلي -Yongle»، وقدْ شهدَ العامُ الخامسَ عشرَ مِنْ حكمِه تشييدَ عددٍ منَ القصورِ، في حينِ شهدَ العامُ التَّاسعَ عشرَ نقلَ العاصمةِ في اتِّجاهِ الشَّمالِ، منْ مدينةِ «نَانْجينغ -Nanjing» إلى «بِكِين -Beijing»، ومنْ أجلِ أعمالِ البناءِ والتَّشييدِ جمعَ الإمبراطورُ سبعةً وعشرِينَ ألفاً منَ الحِرفيِّينَ، وما بينَ مئتَين إلى ثلاثمئةِ أَلْفٍ منَ العُمَّالِ المهرةِ، كما أدرجَ نحوَ مليونِ قرويٍّ على قائمةِ العملِ في تشييدِ العاصمةِ، وإبَّانَ سقوطِ أسرةِ «مينغ -Ming»، أبقَى أباطرةُ أسرةِ «تشِينغ -Qing» الحاكمةِ على «بِكِين -Beijing» عاصمةً لبلادِهم، وقد تهدَّمَ الكثيرُ مِنَ القصورِ جرَّاءَ الحريقِ والزِّلزالِ الَّذي ضربَ البلادَ في أوائلِ حكمِ أسرةِ «تشِينغ -Qing»، أمَّا معظمُ القصورِ الَّتي تقفُ اليومَ في مدينةِ «بِكِين -Beijing»، فقدْ أُعيدَ ترميمُها وبناؤُها في عهدِ أسرةِ «تشينغ» الحاكمةِ، وتَمَّ الإبقاءُ على نموذجِ التَّصميمِ القديمِ.

المُدُنُ الدَّاخِلِيَّةُ وَالخَارِجِيَّةُ

منظَرٌ من الجو لقَاعَاتِ القَصْرِ الثَّلَاثِ فِي المَدِينَةِ المُحَرَّمَةِ

شُيِّدتِ الأسوارُ المحيطةُ بالمدينةِ الداخليَّةِ للمرَّةِ الأولَى خلالَ عهدِ أسرةِ «يُوَان -Yuan» الحاكمةِ، وهي المدينةُ الَّتي عُرفتْ بعدَ ذلِكَ باسمِ العاصمةِ العظيمةِ (Great Capital). وفي العامِ الرَّابعِ منْ حكمِ الإمبراطورِ «هُونْغ وُوُ -Hongwu» أحدِ أباطرةِ أسرةِ «مينغ -Ming»، هُجِرَ وسطُ المدينةِ الشَّماليُّ ذُو الاتِّساعِ الشَّاسعِ نِسبيّاً، حيثُ تمَّ تشييدُ الأسوارِ على بُعدِ ستَّةِ كيلومتراتٍ في اتِّجاهِ الجنوبِ (وتُعرَفُ اليومَ ببوَّابتَيْ «دِيشِنْغ -Desheng» وَ»آنْدِينْغ -Anding»)، وفي العامِ السَّابعَ عشرَ مِنْ حكمِ «يُونْغِلِ -Yongle»، زُحزِحَ السُّورُ منْ مكانِهِ مسافةَ كيلومترٍ (المنطقةُ الَّتي تُعرفُ اليومَ باسمِ بوَّاباتِ «زِهِينْغِيَانْغ -Zhengyang» و«تُشُونْغ وين -Chongwen» و«تشُوَان وُوُ -Xuanwu») لتبلغَ مساحةُ المدينةِ بذلِكَ 6,635 متراً طولاً منَ الشَّرقِ إلى الغربِ، و5,350 متراً عرضاً منَ الجنوبِ إلى الشَّمالِ. وخلالَ مُدَّةِ حكمِ الإمبراطورِ «جِيَا تشينغ -Jiaqing» أحدِ أباطرةِ أسرةِ «تشينغ -Qing» الحاكمةِ، شهدتِ المناطقُ السَّكنيَّةُ والأسواقُ توسعةً خارجَ الأسوارِ الجنوبيَّةِ للمدينةِ الدَّاخليَّةِ، ومنْ أجلِ تعزيزِ دفاعاتِ المدينةِ شُيِّدَ أيضاً سورٌ حولَ المدينةِ الخارجيَّةِ، بمسافةِ 7,950 متراً طولاً مِنَ الشَّرقِ إلى الغربِ و3,100 مترٍ عرضاً منَ الجنوبِ إلى الشَّمالِ، وعلَى الرَّغمِ مِنْ ذلِكَ فشلتِ الدَّولةُ في أواخرِ عهدِ أسرةِ «مينغ -Ming» في العملِ وفقَ الخطَّةِ الأصليَّةِ الموضوعةِ لتشييدِ الأسوارِ حولَ المدينةِ الخارجيَّةِ غرباً وشمالاً، وذلِكَ بسببِ نقصِ التَّمويلِ الكافيِ، ثُمَّ ارتأَتْ حكومةُ الإمبراطورِ «تشينغ -Qing» بعدَ ذلِكَ أنَّه لا حاجةَ لبناءِ أيَّةِ أسوارٍ حولَ المدينةِ الخارجيَّةِ، إذْ كانَتْ علاقتُها في هذِه الآونةِ بالأقلِّيَّاتِ العِرقيَّةِ الشَّماليَّةِ على خيرِ مَا يُرَامُ، ونتيجةً لذلِكَ أخذَ تصميمُ العاصمةِ بِكِينَ خلالَ حكمِ أسرةِ «تشينغ -Qing» شكلاً مُحدَّباً، وقدْ بلغَ عددُ سكَّانِ العاصمةِ مليونَ نسمةٍ في أواخرِ عهدِ أسرةِ «مينغ -Ming»، وتجاوزَ العددُ هذَا الرَّقم في عهدِ أسرةِ «تشينغ -Qing».

التَّصمِيمُ

يعكسُ تخطيطُ مدينةِ «بِكِين -Beijing» عاصمةِ أسرةِ «مينغ -Ming» الحاكمةِ -والَّتي صُمِّمتْ وفقَ التَّقليدِ الصِّينيِّ في تخطيطِ المدنِ- الفلسفةَ الدِّينيَّةَ للبلادِ، وتترَّكزُ بشكلٍ كبيرٍ في النِّقاطِ الآتيةِ:

المَنَاطِقُ الوَظِيفِيَّةُ

شُيِّدتْ مدينةُ القصرِ أو المدينةُ المحرَّمةُ، (تعرفُ الآنَ بمتحفِ القصرِ) في قلبِ المدينةِ في الاتِّجاهِ الخارجيِّ، حيثُ طوَّقَتْها المدينةُ الإمبراطوريَّة، ومِنْ بعدِها المدينةُ الدَّاخليَّةُ، ومِنْ ثَمّ عُرفتْ هذه المدينةُ باسمِ «المدينةِ الدَّائريَّةِ الثُّلاثيَّةِ».

يظهرُ في داخلِ القصرِ التَّرتيبُ التَّقليديُّ لتخطيطِ المدنِ الصِّينيَّةِ، حيثُ يظهرُ البلاطُ الإمبراطوريُّ في الواجهةِ، في حينِ تقفُ أماكنُ السُّكنَى خلفه، كما اشتملَ القصرُ على قاعاتٍ عديدةٍ حتَّى يتسنَّى للإمبراطورِ متابعةُ شؤونِ حكمِه، ومنهَا ما خُصِّصَ لسُكنَاه وعائلتِه، كما اشتملَ القصرُ علاوةً على ذلِكَ على الحدائقِ الإمبراطوريَّةِ.

يقعُ الضَّريحُ الإمبراطوريُّ وهيكلُ مذبحِ آلهةِ الأرضِ والحبوبِ في واجهةِ البوَّابةِ الجنوبيَّةِ للقصرِ، في حينِ تقعُ خمسةُ مكاتبَ لخمسِ إداراتٍ حكوميَّةٍ، وستَّةُ أقسامٍ على يمينِها. أمَّا البوَّابةُ الشَّماليَّةُ للقصرِ فيوجدُ فيها العديدُ منَ الأسواقِ ومحلَّاتِ الصِّناعةِ اليدويَّةِ الَّتي تخدمُ القصرَ، تحملُ كلُّ هذه التَّرتيباتِ والتَّجهيزاتِ التَّصميمَ التَّقليديَّ للعواصمِ الصِّينيَّةِ بتمامِه، حيثُ يظهرُ البلاطُ الملكيُّ في الواجهةِ والأسواقُ في المؤخِّرةِ، مع وجودِ أضرحةِ الأسلافِ والآلهةِ على اليسار واليمينِ. تتوزَّعُ المناطقُ السَّكنيَّةُ حولَ المدينةِ الإمبراطوريَّةِ، وعددُها سبعٌ وثلاثونَ منطقةً، تمَّ دمجُها في عشرةِ أحياءٍ سكنيَّةٍ خلالَ عهدِ أُسرتَي «مينغ -Ming» و«تشينغ -Qing». وقدْ قُسِّمتْ هذه الأحياءُ وفقَ التَّقسيمِ الإداريِّ العالميِّ للأزقَّةِ والشَّوارعِ، ويُشبِهُ ترتيبُ الأماكنِ السَّكنيَّةِ نظيراتِها في العواصمُ الكبرى، فأزقَّتُها ذاتُ الشَّكلِ المُستطيلِ تَقسمُ الأحياءَ إلى مناطقَ سكنيَّةٍ مُختلِفةٍ، وقد سكنَ المدينةَ الدَّاخليَّةَ كلٌّ مِنَ المسؤولِينَ والنُّبلاءِ والقادةِ العسكريِّينَ وأربابِ التِّجارةِ، بينَما سكنَ العامَّةُ المدينةَ الخارجيَّةَ. وفي أوائلِ عهدِ أسرةِ «تشِنغ -Qing» عاش عِرقُ «المَانْشُو -the Manzus» و«الهَانُ -the Hans» وغيرُهُما مِنَ المجموعاتِ العِرقيَّةِ في المدينةِ الدَّاخليَّةِ ثُمَّ الخارجيَّةِ على التَّرتيبِ. كانتْ أماكنُ التِّجارةِ مُوزَّعةً بكثافةٍ، ومِنْ ثَمَّ شكَّلتْ مركزاً تجاريّاً مُزدهِراً خلالَ عهدِ أسرةِ «مينغ -Ming» الحاكمةِ بالقربِ مِنْ طريقِ القوسِ في «دونغسي -Dongsi» والبوَّابةِ الأماميَّةِ في النَّاحيةِ الجنوبيَّةِ مِنَ المدينةِ الدَّاخليَّةِ. وقد لُوحظَ في تلك الآونةِ تجمُّع الأعمالِ التِّجاريَّةِ المُتشابِهةِ في نفسِ المكانِ، وهوَ الأمرُ الَّذي يبدُو جليّاً مِنْ أسماءِ الطُّرقِ الموجودةِ حاليّاً في بِكِينَ، مثلِ أسواقِ الأَرُزِّ والخضراواتِ والخزفِ. اعتادتْ إحدى المناطقِ في المدينةِ الدَّاخليَّةِ على تنظيمِ معارضَ تجاريَّةٍ ومعارضِ الهيكلِ بشكلٍ مُستمرٍّ، كمعرضِ الفانوسِ خلالَ مهرجانِ الفانوسِ، وكانَ يستمرُّ لمدَّةِ عشرةِ أيَّامٍ، أمَّا معارضُ الهيكلِ فكانَ بعضها يُعقدُ على نحوٍ مُنتظِمٍ خلالَ حكمِ أسرةِ تشينغ، مثلُ «معرضِ الأزهارِ، ومعرضِ الإلهِ المحَلِّيِّ لمعبدِ الأرضِ»، إذ كانَا يُعقدَان داخلَ المدينةِ الدَّاخليَّةِ، في حينِ كانتِ المعارضُ الثَّلاثُة المُتبقيَّةُ: «البَاغُودَا البَيْضَاءُ، والدِّفَاعُ القَومِيُّ، والسَّعَادَةُ الكُبرَى» في المدينةِ الخارجيَّة. وبالإضافةِ إلى هذا، كان يوجدُ شارعٌ تجاريٌّ مُنتظِمٌ يشملُ السُّوقَ الغربيَّ الكبيرَ، كمَا تركَّزتْ معظمُ مخازنِ البضائعِ لأربابِ التِّجارةِ في شرقِ بِكِينَ، وذلِكَ لأنَّ النَّقلَ خلالَ حكمِ أسرةِ تشينغ قدِ اعتمدَ اعتماداً كبيراً على القناةِ العظيمةِ الَّتي كانتْ تصلُ إلى «تُونْغ زُخُو -Tongzhou» منْ خلالِ رصيفِ القناةِ.

التَّصْمِيمُ العمرانيُّ

اعتمدتِ المدينةُ على طريقةِ البناءِ على المحورِ، الَّتي بدأتْ منْ بوَّابةِ المدينةِ الخالدةِ في الجنوبِ إلى أبراجِ الطَّبلِ والجرسِ في الشَّمالِ، بطولٍ يبلغُ ثمانية كيلومتراتٍ، ويُعدَّ هذا المحورُ الشِّريانَ الَّذي قام عليه تصميمُ المدينةِ، إذْ كانتْ كلُّ القصورِ الملكيَّةِ وغيرُها منَ الأبنيَّة الرَّئيسةِ تقعُ على امتدادِه، أمَّا عنِ القسمِ الجنوبيِّ مِنَ المحورِ، فكان طريقاً مستقيماً تحدُّ جانبَيْه مجموعتانِ منَ المُجمَّعاتِ السَّكنيَّةِ، ومعبدُ السَّماء ومذبحُ الهيكلِ لإلهِ الزِّراعةِ، ويمتدُّ منَ البوَّابةِ الأماميَّةِ في اتَّجاهِ الشَّمالِ للمربَّعِ المُتَّخَذِ على شكلِ حرفِ (تِي -T) أمامَ القصرِ عبرَ بوَّابةِ مينغ العظيمِ (الَّتي عُرفتْ فيما بعدُ باسمِ «تشينغ -Qing»). تضيقُ المنطقةُ الجنوبيَّةُ مِنَ المُربَّعِ بين الصَّفَّيْنِ الشَّرقيِّ والغربيِّ المُكوَّنيْنِ مِنْ ممرَّاتٍ تتأَلَّفُ مِنْ أَلْفِ درجةٍ مُشكِّلةً بذلِكَ مدخلاً صغيراً، بينمَا تتَّسعُ المنطقةُ الشَّماليَّةُ على اليسار واليمينِ مثلِ جناحَيِ الطَّائرِ، وفي أقصَى الشَّمالِ تقفُ بوَّابةُ «تِيَانَ آنْمِن -Tian’anmen» ذاتُ الواجهةِ المُزخرَفةِ بالرُّخامِ الأبيضِ، وجسورُ جدولِ المياهِ الذَّهبيَّةُ، والأعمدةُ المُتَّخَذةُ مِنَ الحُليِّ. وبمقدورِ الزُّوَّارِ الَّذينَ يدخلُونَ منْ بوَّابةِ «تِيَانَ آنْمِن -Tian’anmen» وبوَّابةِ العدلِ وبوَّابةِ مِيرْدِيَان وبوَّابةِ الوِئامِ العظيمِ الوصولُ إلى قاعاتِ القصرِ الكبيرِ (قاعةِ الوئامِ العُليَا، وقاعةِ الوئامِ الوسطَى، وقاعةِ الوئامِ الدَّائِمِ في الواجهةِ، وقاعةِ الصَّفاءِ السَّماويِّ والسَّلامِ الأرضيِّ في المُؤخِّرةِ) الَّتي جُدِّدتْ خلالَ حكمِ أسرةِ «تشينغ -Qing»، وتُظهِرُ أساليبَ وتراكيبَ وأفنيةً مُتنوِّعةً تتَّخذُ جميعُها مواقعَ رئيسةً على امتدادِ المحورِ. يبلغُ ارتفاعُ «قاعة الأمل -The Prospect Hill» خمسينَ متراً، وتقعُ فوقَ الجزءِ الشَّماليِّ مِنَ المدينةِ المُحرَّمةِ، وتُعدُّ أعلَى نقطةٍ في المدينةِ. ومروراً منْ شمالِ قاعة الأملِ عبرَ بوَّابةِ «ديان -Di’an» التَّابعةِ للمدينةِ الإمبراطوريَّةِ، يمكنُ للزُّوَّارِ الوصولُ إلى أبراجِ الطَّبلِ والجرسِ، الَّتي تقفُ في نهايَّة المحورِ، وبصفةٍ عامَّةٍ شكَّلَ هذا التَّصميمُ المعماريُّ لمدينةِ بِكِينَ جزءاً أساسيّاً مِنَ المحورِ القائمِ على الاستقامةِ والتَّرتيبِ.

نِظَامُ الطُّرُقِ

شكَّلتْ شبكةُ الطُّرقِ في مدينةِ «بِكِين -Beijing»، والَّتي أُسِّستْ في ضوءِ نظيرتِها في العاصمةِ «يُوَان -Yuan» مُتَّخِذةً شكلَ لوحةِ الشَّطْرَنجِ خلالَ عهدِ أسرتَي «مينغ -Ming» و«تشينغ -Qing»، همزةَ وصلٍ بين الجنوبِ والشَّمالِ والشَّرقِ والغربِ. يبدأُ الطَّريقُ الرَّئيسُ داخلَ المدينةِ منْ مدينةِ القصرِ الأماميَّة، وينتهِي بالطَّريقِ الَّذي يمرُّ عبرَ كثيرٍ منْ بوَّاباتِ المدينةِ الدَّاخليَّةِ. يوجدُ في المدينةِ الخارجيَّةِ طريقَان خارجيَّانِ يمرَّانِ عبرَ بوَّابةِ الدِّفاعِ عنِ الأدبِ وبوَّابةِ القوَّة العسكريَّة، وعبر الشَّوارعِ الأفقيَّةِ التي تربطِ الطَّريقَيْنِ ببعضِهما. تضمُّ المدينةُ الإمبراطوريَّةُ حيَّيْنِ في الشَّرقِ والغربِ، حيثُ شُيِّدَ القليلُ منَ الأزقَّةِ المُنحدِرَةِ الَّتي تتَّخذُ شكلَ حرفِT منْ أجلِ تسهيلِ عمليَّة التَّنقُّلِ المَحلِّيِّ.

المَنَاظِرُ الطَّبِيعِيَّةُ

بُنِيتْ حدائقُ القصرِ الرَّئيسةُ في عهدِ أُسرةِ «مينغ -Ming» مثلُ هذِه الواقعةِ في غربِ المدينةِ المُحرَّمةِ، في مواقعِ الرَّاحةِ والتَّسليةِ في القصرِ، حيثُ تتركَّزُ حولَ البحيراتِ الشَّماليَّةِ والوسطَى وجزيرةِ اليَشْمِ. وفي أوائلِ عهدِ أسرةِ «مينغ -Ming» تمَّ حفرُ بحيرةِ الجنوبِ بالقربِ مِنَ البحيرتَيْنِ المُشارِ إليهِما آنفاً، وخلالَ عهدِ أسرةِ «تشينغ -Qing» شُيِّدَ المزيدُ مِنَ الحدائقِ حولَ البحيراتِ الثَّلاثِ الَّتي كانتْ المَركزَ لهَا، وكانتْ هذه الحدائقُ مُهذَّبةً على نحوٍ رائقٍ، حيثُ البساتينُ ومصادرُ المياهِ المُتنوِّعَةُ. ظلَّتْ هذه الحدائقُ قِطعاً فنِّيَّةً عظيمةً وأماكنَ جذبٍ رئيسةً في قلبِ مدينةِ «بِكِين -Beijing». وفي عهدِ أسرةِ «تشينغ -Qing» شُيِّدَت العديدُ منْ حدائقِ القصرِ الإمبراطوريَّةِ في الضَّاحيةِ الشَّمالِيَّة الشَّرقيَّةِ، وضمَّتْ حدائقَ قصرِ الصَّيفِ القديمِ، والنَّبِعِ الخالدِ، ونبعِ العشرةِ آلافٍ، والوضوحِ الشَّديدِ، والتَّناغُمِ مع الهدوءِ والمَوجةِ الشَّفافةِ (الَّتي عُرفتْ فيما بعدُ باسمِ قصرِ الصَّيفِ). تشكِّلُ هذه الحدائقُ مناظرَ جذبٍ صناعيَّةً، يتميَّزُ كلٌّ منهَا عنِ الآخرِ، كما شهدتِ المدينةُ الدَّاخليَّةُ خلالَ عهدِ أسرةِ «تشينغ -Qing» بناءَ العديدِ مِنَ الحدائقِ الخاصَّةِ في منازلِ النُّبلاءِ والمسؤولِينَ مِنْ ذَوِي الرُّتبِ العاليةِ.

مَوَارِدُ المِيَاهِ والصَّرفُ

اعتمدَ عامَّةُ الشَّعبِ الَّذينَ سكنُوا مدينةَ بِكِينَ في العصرِ القديمِ على الآبار للحصول على مياه الشُّرب، وكانتْ قليلةَ العددِ مُتناثرةً بينَ الأزقَّةِ. شهدَ عصرُ أسرةِ «يُوَان -Yuan» توصيلَ المياهِ مِنْ نَبْعَي «التَّعويم الأبيض -White Float» و«تلِّ اليشم -Jade Hill» عبرَ قناةِ العاصمةِ، حيثُ زوَّدَاها بمصادرَ جديدةٍ للمياهِ تصلُ إلى القصورِ والمناظرِ الطَّبيعيَّةِ وحتَّى القناةِ العظيمةِ، لكن بسبَّبِ إهمالِ صيانةِ هذه القناةِ ونضوبِ مياهِ النَّبعِ في عهدِ أسرةِ «مينغ -Ming» عانتِ المدينةُ للمرَّةِ الأُولَى نقصَ مواردِ المياهِ، باستثناءِ ما كان يتدفَّقُ منهَا على نحوٍ محدودٍ منْ نبع «تلِّ اليشم -Jade Hill» في بركةِ تخزينِ المياهِ عبرَ بحيرةِ «الإناء -Jar»، بالإضافةِ إلى أحدِ جداولِ المياهِ الَّذي كان يجرِي صوبَ الشَّمالِ والبحيراتِ الوسطَى، وخلالَ عهدِ أسرةِ «تشينغ -Qing» وُصلِ حوضُ نبعِ «الإناء -Jar» ببحيرةِ «كُونْمينغ -Kunming» عن طريقِ الحفرِ، لتتكَوَّنَ بذلِكَ قناةٌ للرَّيِّ، ولتزويد المناظرِ الطَّبيعيَّةِ بالمياهِ. وفيما يتعلَّقُ بنظامِ الصَّرفِ، فقدْ طُوِّرَ هذا النِّظامُ في مدينةِ «بِكِينَ -Beijing» خلال عهدِ أُسرتَي «مينغ -Ming» و«تشينغ -Qing» على أساسِ نظيرِه في العاصمةِ العظيمةِ خلالَ عهدِ أسرةِ «يُوَان -Yuan». شكَّلتْ مصارفُ وقنواتُ الصَّرفِ داخلَ المدينةِ المُحرَّمةِ نظاماً مُستقِلّاً، مع وجودِ بعضِ المَيَازيبِ وقناةٍ مفتوحةٍ عُرِفتْ باسمِ الْجَدْوَلِ الذَّهَبِيِّ الدَّاخِلِيِّ. استُخدِمتْ هذه القناةُ أيضاً كخندقٍ للدِّفاعِ عنِ المدينةِ، إلى جانبِ كونِها مصدرَ مياهٍ وقناةً للصَّرفِ في المدينةِ. ويمرُّ معبرُ «شِيشُوي -Xishui» الَّذي يقعُ خارجَ بوَّابةِ الشَّرفِ والنَّصرِ عبرَ خندقِ المياهِ العلويِّ، بينَما تخرجُ المياهُ منَ المعبرِ الواقعِ خارجِ الأبوابِ الأماميَّةِ الثَّلاثةِ عبرَ الخندقِ المائيِّ السُّفليِّ والصَّرفِ. اشتملتِ المدينةُ على خندقٍ مائيٍّ عظيمٍ خلالَ عهدِ أسرةِ «مينغ -Ming» بالإضافةِ إلى مصارفَ كبيرةٍ عديدةٍ عُرفتْ باسمِ الشَّرقِ والغربِ، ناهِيكَ عنِ المصرفِ تحتَ جسرِ الجدولِ الإمبراطوريِّ. وفي داخلِ المدينةِ كان الخندقُ والمصارفُ يجريانِ منَ الشَّمالِ إلى الجنوبِ حسبَ تضاريسِ المنطقةِ، في حينِ وُجدَ القليلُ منَ القنواتِ المفتوحةِ خارجَ المدينةِ، والَّتي حملتْ أسماءً مثلَ لِحْيةِ التِّنِّينِ وجِسْرِ النَّمِرِ وسَانْ لِيه الَّتي كانت توجدُ في جنوبِ شرقِ بوَّابةِ «زِهِينْغِيَانْغ -Zhengyang»، وقد أدَّتْ هذه القنواتُ أدواراً مُهِمَّةً في تصريفِ المياهِ حالَ فيضانِ الخندقِ المائيِّ النَّاجمِ عنِ البوَّاباتِ الثَّلاثِ الأماميَّةِ، وتصريفِ المياهِ في المدينةِ الدَّاخليَّةِ.

قَارِبُ الرُّخَامِ في قَصْرِ الصَّيْفِ