الحُكمُ عَن طَرِيقِ الفَضِيلَةِGovernance by Virtue

نظريَّةٌ سياسيَّةٌ نشأَتْ في حقبة ما قبلَ أُسرةِ شِينَ الصِّينيَّةِ، قبلَ (221 ق.م)، تتَّخذُ التَّعليمَ الأخلاقيَّ مبدأً إرشاديّاً لسياسةِ الحكمِ. تعودُ هذِه النَّظريَّةُ إلى عهدِ أسرةِ شَانْغ (1600 ق.م - 1046 ق.م) عندَما رأى «بَانْغِينْغ -Pangeng» أنَّ الحاكمَ لا بدَّ أنْ يحكمَ شعبَه بالفضيلةِ، وفي مطلعِ أسرةِ «تشُو -Zhou» الغربيَّةِ (1046 ق.م–771 ق.م) استخدم الحكُّامُ نظريَّةَ: «معَ الفضيلةِ» و«بلا الفضيلةِ» كيْ يفسِّرُوا سَببَ حصولِهم على النِّعمِ السَّماويَّةِ، بينَما لمْ يعتمدِ الحكَّامُ في أُسرةِ: «يِن -Yin» (1300 ق.م–1046 ق.م) علَى هذِه النَّظريَّةِ. وقدْ وردَ في كتابِ الأغانِي مدحٌ كثيرٌ لفضائلِ الحكَّامِ، مثلِ الملكِ «وِين -Wen» (أحدِ أباطرةِ أسرةِ «تشُو -Zhou»). وقدْ حذَّرَ كِتابُ التَّاريخِ: «كتابُ الوثائقِ» مراراً وتكراراً، بلْ ونبَّه علَى أنَّ الحاكمَ لا بدَّ أنْ يحترمَ الفضائلَ ويتفهَّمَها ويقدُرَها قدرَها، بَيْدَ أنَّ مشكلةَ انعدامِ الفضائلِ عندَ الحكَّامِ قدْ تفاقمَ خطرُها أكثرَ وأكثرَ في حقبة الرَّبيعِ والخريفِ (770ق.م - 476 ق.م)، وقدْ واجهَ «كُونْفُوشْيُوس -Confucius» هذِه الحقيقةَ، فورِثَ مفهومَ احترامِ الفضيلةِ وإفادةِ الناسِ منْ شعبِ أسرةِ «تشُو -Zhou» الغربيَّةِ، حتَّى إنَّه ساندَ هذِه النَّظريَّةَ بشدَّةٍ، ومنذُ هذِه اللَّحظةِ فصاعداً كوَّنتْ هذِه النَّظريَّةُ التَّعليماتِ السَّياسيَّةَ «للكُونفُوشيُوسيَّةِ -Confucius»، وتشملُ هذِه العقيدةُ الآتِي: (1) إعطاءَ الأهمِّيَّةِ للتَّهذيبِ الأخلاقيِّ للنَّاسِ، فحكمُ الدَّولةِ عنْ طريقِ الحكمِ بالعقوباتِ لنْ يحقِّقَ الإذعانَ التَّامَّ والطَّاعةَ منْ قِبَلِ الشَّعبِ، وذلك يتحققُ فقط منْ خلالِ التَّعليمِ الأخلاقيِّ وهدايَّةِ النَّاسِ، ويجبُ جعلُ الطَّقوسِ والشَّعائرِ معاييرَ لسلوكِ النَّاسِ، فهذِه هيَ الطَّريقةُ الَّتي تجعلُ النَّاسَ يتصرَّفُون بأدبٍ وأخلاقٍ. (2) الجمعَ بينَ لِينِ الجانبِ والحزمِ في حُكمِ النَّاسِ. (3) احترامَ النَّاسِ وحُبَّهم وإثراءَهم، والتَّقليلَ مِنْ حدَّةِ العقوبةِ، وتخفيضَ عوائدِ الضَّرائبِ مِنْ أجلِ كسبِ محبَّتِهم. (4) القيادةَ عنْ طريقِ القدوةِ وتهذيبِ النَّفسِ وأخلاقِها مِنْ أجلِ إحداثِ حالةٍ مِنَ الاستقرارِ بينَ النَّاسِ. (5) جمعَ الموهوبِين مِنَ الشَّعبِ معَ التَّأكُّدِ مِنْ مقدرتِهم ونزاهتِهم، معَ التَّأكيدِ علَى أنْ تكونَ الصَّدارةُ للنَّزاهةِ.

تطورتْ فكرةُ «كُونْفُوشْيُوس -Confucius» لاحقاً لتصبحَ مذهبَ «مِنْسُوس -Mencius» للحكمِ المَبنيِّ علَى الخيرِ، وفكرةَ «شُونْتِسِي -Xunzi’s» للمجتمعِ الملكيِّ المثاليِّ، وقدِ انعكسَ هذَا المذهبُ في المبادئِ التَّسعةِ للحكمِ، وذلكَ في كتابِ مذهبِ الاعتدالِ، والمبادئُ هي: تهذيبُ النَّفسِ، وتعظيمُ المواهبِ، وحبُّ العائلةِ، واحترامُ وتفهُّمُ الوزراءِ، وحبُّ الشَّعبِ، واجتذابُ النَّاسِ مــنْ ذوِي المهارةِ المختلفةِ، واستمالـةُ الأقلِّـيَّـاتِ القـومـيَّـةِ، وطمأنةُ فلَّاحِي الإقطاعيِّينَ، وتُعدُّ الأمانةُ الصِّفةَ الرَّئيسةَ من بينها، وقدْ غدَا هذَا المذهبُ أكثرَ تماماً عندَما ظهرَ كتابُ: التَّعليمِ العظيمُ، الَّذي حدَّدَ ثمانيةَ مداخلَ تشملُ دراسةَ الظَّواهرِ، واكتسابَ المعرفةِ، والإخلاصَ، والنَّزاهةَ، وتهذيبَ النَّفسِ، وتنظيمَ الأُسرة، وإدارةَ الدَّولةِ، وحُكمَ العالَمِ، فأسَّسَ ذلك لإطارٍ تنظيريٍّ يُظهِرُ عمليَّةَ التَّطوُّرِ التَّدريجيِّ لهذَا المذهبِ. ويُعدُّ هذَا المذهبُ واحداً مِنَ الدَّعائمِ الأساسيَّةِ في فكرِ كُونفُوشيُوس السَّياسيِّ. وعلَى غرارِ الحُكمِ القائمِ علَى الخيرِ، فإنَّ هذَا المذهبَ هوَ السِّياسةُ المُثلَى للكُـونفُوشيُوسيَّةِ، الَّتي غدتِ السِّلاحَ الفِكريَّ للأجيالِ التَّاليةِ مِنَ المفكِّرِينَ، ليستخدِمُوهُ ضدَّ الظُّلمِ والطُّغيانِ، كمَا أنَّه أيضاً هدفٌ سياسيٌ يجاهدُ المفكِّرونَ مِنْ أجلِ تحقيقِه.