بُوذِيَّةُ الهَانِHan Buddhism

منذُ انتشارِ البوذيَّةِ في أعماقِ الصِّينِ، تشكَّلتِ العديدُ منَ الطَّوائفِ البوذيَّةِ المُميِّزةِ للأمَّةِ الصِّينيَّةِ بعدَ قطعِ شوطٍ كبيرٍ في تفسيرِ كتبِ البوذيَّةِ ونشرِ عقائدِها، وبعدَ صدامٍ طويلٍ وصراعٍ محتدمٍ امتزجتِ البوذيَّةُ بالثَّقافةِ الصِّينيَّةِ التَّقليديَّةِ. وبعدَ ذلكَ انتشرتِ البوذيَّةُ تدريجيّاً مِنَ الصِّينِ إلى كُوريا واليَابَانِ وفِييتْنَام ودولٍ مُجاوِرةٍ أخرَى، لكنْ لمْ يتحدَّدْ وقتُ انتشارِها إلى مناطقِ «هَان -Han» الصِّينيَّةِ علَى وجهِ التَّأكيدِ، ومعَ ذلكَ يُعتقدُ عموماً أنَّ انتشارها كان في السَّنةِ الأُولَى مِنْ حقبةِ «يُوَانْشُو -Yuanshou» في عهدِ أسرةِ «هَان -Han» الغربيَّةِ، أي في السَّنةِ الثَّانيةِ قبلَ الميلادِ، عندَما بدأَ «يِيتشُون -Yicun»، مبعوثُ إحدَى الممالكِ في المناطقِ الغربيَّةِ، بإدخال الكتبِ البوذيَّةِ إلى الصِّينِ. وبانتشارِ البوذيَّةِ داخلَ الصِّينِ، حظيتْ بشعبيَّةٍ كبيرةٍ في مدينةِ «تَشَانْغَان -Chang’an» و«لُويَانْغ -Luoyang»، ثُمَّ في مدينةِ «بِينْغ تشِنْغ -Pengcheng» (هي مدينةُ «شُوزهُو -Xuzhou» في مقاطعةِ «جِيَانْغسُو -Jiangsu»)، وغيرِها مِنَ الأماكنِ. وفي ذلكَ الوقتِ شاعَ اعتناقُ البوذيَّةِ لأوَّلِ مرَّةٍ في المحاكِمِ الملكيَّةِ، وكانَ يُنظرُ إليْهَا أنَّها نوعٌ مِنَ الفِرَقِ الَّتي تخلطُ بينَ الكيمياءِ وممارسةِ طقوسِ الطَّاويَّةِ طبقاً لمذهبِ «هُوَانْغ لَاو -Huang Lao». أمَّا في عهدِ أسرتَي «وِي -Wei» و«جِين -Jin» فقد ارتبطتِ البوذيَّةُ بالميتافيزيقَا. وخلالَ عهدِ الأسرِ الشَّماليَّةِ والجنوبيَّةِ، تشكَّلتِ العديدُ مِنَ المدارسِ الأكاديميَّةِ البوذيَّةِ الَّتي تألَّفتْ مِنْ مُترجِمي الكتبِ المُقدَّسةِ البوذيَّةِ ووعَّاظِها. وفي عهدِ أسرتَي «سُوِي -Sui» و«تَانْغ -Tang»، بلغتْ بوذيَّةُ «هَان -Han» ذروتَها، لتنبثقَ عنهَا طوائفُ مُؤثِّرةٌ تتميَّزُ بطابعِ بوذيَّةِ «هَان -Han»، الَّتي منهَا: طائفةُ «تِيَانْتَاي -Tiantai»، وطائفةُ العقائدِ الثَّلاث، وطائفةُ «هُوَايَان -Huayan»، وطائفةُ «فَا - هَسِيَانْغ/Fa -hsiang»، وطائفةُ «زِن -Zen»، و«لُوزُونْغ -Lüzong»، والأرضُ الطَّاهِرةُ، والمعرفةُ الباطنيَّةُ. وقدْ أثَّرتِ القُوَى البوذيَّةُ الصَّاعدةُ في المصالحِ الاقتصاديَّةِ والسِّياسيَّةِ للدَّولةِ أوِ الدُّولِ العلمانيَّةِ، وبالتَّالِي تعرَّضتْ بوذيَّةُ «هَان -Han» لأربعِ كوارثَ علَى أيدِي الإمبراطورِ «تَايُوو -Taiwu» مِنْ شمالِ «وِي -Wei»، والإمبراطورِ «وُودِي -Wudi» منْ شمالِ «تشُو -Zhou»، والإمبراطورِ «وَاتسُونْغ -Wuzong» منْ «تَانْغ -Tang»، والإمبراطورِ «شِيزُونْغ -Shizong» منْ «تشُو -Zhou» اللَّاحِقةِ علَى التَّوالِي. كمَا أثَّرَ تطوُّرُ البوذيَّةِ في الصِّينِ في الدُّولِ المجاورةِ، فاعتنقَتْ كُورْيَا البوذيَّةَ بحلولِ نهايةِ القرنِ الرَّابعِ، وفي النِّصفِ الأوَّلِ منَ القرنِ السَّادسِ انتشرتِ البوذيَّةُ في اليَابَانِ، ومنذُ القرنِ العاشرِ حتَّى الآنَ، عزَّزتِ البوذيَّةُ اندماجَها معَ الثَّقافةِ الصِّينيَّةِ التَّقليديَّةِ علَى الجانبِ النَّظريِّ والتَّطبيقيِّ لتلبيةِ أكبرِ قدرٍ ممكنٍ من احتياجاتِ المجموعاتِ الاجتماعيَّةِ المختلفةِ. وبعدَ عهدِ أسرةِ «سُونْغ -Song» الجنوبيَّةِ، تراجعتْ بوذيَّةُ «هَان -Han»، وطفتْ فِرقُ «زِن -Zen» والأرضُ النَّقيَّةُ علَى السَّطحِ. ولأنَّ البوذيَّةَ جزءٌ لا يتجزَّأُ مِنَ الثَّقافةِ الصِّينيَّةِ التَّقليديَّةِ فإنَّها تؤدِّي دوراً حاسماً في تنميةِ الرُّوحِ الصِّينيَّةِ.