البُوذِيَّةُ الصِّينِيَّةُChinese Buddhism

تشيرُ إلى جميعِ المدارسِ البوذيَّةِ ذاتِ الطَّابعِ الصِّينيِّ، وقد تشكَّلتْ منذُ دخولِ البوذيَّةِ إلى الصِّينِ في أزمنةٍ مختلِفةٍ وعبرَ قنواتٍ مُتعدِّدةٍ. كانَ مِنْ جرَّاءِ الاختلافاتِ الثَّقافيَّةِ والاجتماعيَّةِ في العديدِ مِنَ المناطقِ الَّتي يقطنُها مؤمنُونَ صينيُّونَ أنْ نشأتْ ثلاثُ مدارسَ رئيسةٍ وفقَ النَّهجِ البوذيِّ ذِي الطَّابعِ الصِّينيِّ، وهيَ بوذيَّةُ قوميَّةِ «هَان -Han» (الَّتي يتبعُها صينيُّو المَانْدَرِين)، وبوذيَّةُ «التِّبتيِّينَ -Tibetan» (وتتكلم لغةَ سكَّانِ التِّبْتِ)، وبوذيَّةُ «ثِيرْفَادَا يُونَّان -Yunnan Theravada» (وتنطقُ باللُّغةِ الباليَّةِ).

رِسَالَةُ الحِكْمَةِ (بِاللُّغَةِ التِّبْتِيَّةِ)

الانتشارُ

تنتشرُ بوذيَّةُ قوميَّةِ «هَان -Han» بشكلٍ رئيسٍ في شمالِ شرقِ الصِّينِ وشمالِ الصِّينِ ووسطِها وشرقِها وجنوبِها، ومعظمُ أتباعِها ينتمُونَ إلى قوميَّةِ الْهَانِ. أمَّا بوذيَّةُ «التِّبتيِّينَ -Tibetan» فتنتشرُ بشكلٍ رئيسٍ في منطقةِ التِّبتِ ذاتِ الحكمِ الذَّاتيِّ، ومحافظةِ «شينغ هَاي -Qinghai»، ومنطقةِ «مَنْغُوليَا الدَّاخليَّةِ -Inner Mongolia» ذاتِ الحُكمِ الذَّاتيِّ، ومعظمُ أتباعِها مِنْ عِرقيَّاتِ «التِّبْتِ -Tibetan» و«المَنْغُولِ -Mongolian» و«التُّو -Tu» و«اليغورِ -Yugur» و«الهُوبَا -Lhoba» و«المُونْبَا -Monba»، في حينِ تنتشرُ بوذيَّةُ «ثِيرْفَادَا يُونَّان -Yunnan Theravada» بشكلٍ رئيسٍ في جنوبِ غربِ محافظةِ «يونَّان -Yunnan»، وأتباعُها منْ قبيلةِ «الدَّاي -Dai». إنَّ الاختلافاتِ التَّاريخيَّةَ والمحلِّيَّةَ والثَّقافيَّةَ، جعلتْ هذِه المدارسَ الثَّلاثَ تختلفُ عنْ بعضِها فيمَا يتعلَّقُ بالنظريَّاتِ البوذيَّةِ والحكمِ واللُّغاتِ المكتوبةِ والطُّقوسِ وأنظمةِ المعابدِ وعمارتِها وأساليبِ الفنِّ والمهرجاناتِ.

التَّارِيخُ

تتمَيَّزُ بوذيَّةُ قوميَّةِ «هَان -Han» بأنَّها الأطولُ تاريخاً بينَ هذِه المدارسِ الثَّلاثِ. دخلتِ البوذيَّةُ الصِّينَ للمرَّةِ الأولَى خلالَ حكمِ الإمبراطورِ «مينغ دِي -Mingdi»، وهو أحدُ أباطرةِ أسرةِ «هَان -Han» الشَّرقيَّةِ (58 - 76م)، وكانَ الدِّارمَا (القانونُ) الَّذي يُدرَّسُ في تلك الآونةِ هو قانونُ «مَاهَايَانَا -Mahayana». تشكَّلتْ خلالَ حكمِ أُسرتَي «سُوِي -Sui» و«تَانْغ -Tang» (581 - 907م)، المدارسُ الفرعيَّةُ البوذيَّةُ تدريجيّاً، حيثُ ضمَّتْ مدارسَ مثلَ مدرسةِ «تِيَانْتَاي -Tiantai» و«دَارَمَالَاكْسَانَا -Dharmalaksana» و«هُوَايَان -Huayan» و«فِينَايَا -Vinaya» و«تسِن -Zen» والأرضِ الصَّافيةِ، ثُمَّ تكاملتْ بعدَ ذلِكَ مع ثقافةِ قوميَّةِ «الهَانِ -Han». وبعدَ ذلِكَ، انتشرتْ بوذيَّةُ هذِه القوميَّةِ - «الْهَان -Han» - في بلدانٍ أخرَى مثلِ كُوريَا واليَابَانِ وفِييتْنَام. أمَّا البوذيَّةُ «التِّبتيَّةُ -Tibetan» فقدْ تشكَّلتْ خلالَ عهدِ أسرةِ «تَانْغ -Tang» الحاكمةِ في الوقتِ الَّذي دخلتْ فيه البوذيَّةُ إلى مناطقِ إقليمِ التِّبتِ قادمةً مِنَ الهِنْدِ ومناطقِ قوميَّةِ «هَانَ -Han». كانتْ هذه البوذيَّةُ عبارةً عنِ اندماجِ البوذيَّةِ الباطنيَّةِ الهِنْدِيَّةِ في الدِّينِ الأصليِّ السَّائدِ في مناطقِ التِّبتِ حينَها، وكانَ قدْ أفلَ نجمُه، لكنَّهُ استعادَ نشاطَه في القرنِ العاشرِ. انتشرتْ هذه المدرسةُ بعدَ ذلِكَ في «شينغ هَاي -Qinghai» ومنطقةِ «مَنْغُوليَا الدَّاخليَّةِ -Inner Mongolia»، حتَّى إنَّها وصلتْ إلى مَنْغُوليَا نفسِها والمناطقِ الشَّرقيَّةِ منْ سِيبيريا في رُوسْيَا. أمَّا بوذيَّةُ «ثِيرَفَادَا يُونَّان -Yunnan Theravada» فقدْ تشكَّلتْ تقريباً في القرنِ الحادِي عشرَ، على الرَّغم من أنَّ مناطقَ محافظةِ يُونَّان قدْ شهِدتْ في وقتٍ سابقٍ أنشطةً بوذيَّةً. ولأنَّ هذِه المدرسةَ مِنَ البوذيَّةِ قدْ ولجَتْ للمرَّةِ الأولى إلى الصِّينِ قادمةً مِنْ مِيَانْمَار، فإنَّها ترتبطُ ارتباطاً وثيقاً بالفرعِ الجنوبيِّ لبوذيَّةِ «ثِيرَفَادَا -Theravada» في «مِيَانْمَار -Myanmar» و«تَايْلَانْد -Thailand» و«كَمْبُودْيَا -Cambodia». وقدِ اشتملتِ الحِكَمُ الَّتي كانتْ تُدرَّسُ حينَها على أفكارِ كلٍّ مِنْ «مَاهِيَانَا -Mahayana» و«هِينَايَانَا -Hinayana».

الخَصَائِصُ الأَسَاسِيَّةُ

«دار مابالا» (تِمْثَالُ سُلَالَةِ «سُونْغ» البُوذِيَّةِ)

على الرَّغمِ منَ أنَّ البوذيَّةَ الصِّينيَّةَ تتألَّفُ مِنْ ثلاثِ مدارسَ رئيسةٍ، إلَّا أنَّهم يتأثَّرُونَ ببعضِهم، وهناك اتصالٌ وثيقٌ بينهم، لذلك يتشاركُون في العديدِ منَ الخصائصِ الأصليَّةِ، لدرجةِ أنَّ هناكَ نوعاً مِنَ التَّطابقِ القويِّ بينَهم. فعلَى الرَّغمِ مِنْ أنَّ بوذيَّةَ قوميَّةِ «هَان -Han» تختلفُ عنْ بوذيَّةِ «ثِيرَفَادَا يُونَّان -Yunnan Theravada» في أوجهٍ كثيرةٍ إلَّا أنَّهُما يروِّجَانِ أفكارَ «مَاهِيَانَا -Mahayana» و«هِينَايَانَا -Hinayana» مـــنْ خــــلالِ دمــجِ أفـكـارِ البوذيَّةِ الجنوبيَّةِ والشَّماليَّةِ. وعلى الرَّغمِ منْ أنَّ بـوذيَّــةَ «التِّبتيِّينَ -Tibetan» تتبعُ البوذيَّةَ الباطنيَّةَ في الهِنْدِ إلَّا أنَّها تروِّجُ للمذهبَيْنِ: الباطنيِّ والظَّاهريِّ. ومــع وجـودِ نوعٍ مِنَ اللَّجاجِ بينِ هذِه المدارسِ الثَّلاثِ، إلَّا أنَّ هناكَ تأثيراً متبادلاً وتفاعلاً بينَها أيضاً. تميلُ البوذيَّةُ الصِّينيَّةُ بوضوحٍ إلى المحلِّيَّةِ، فعلى الرَّغمِ مِنَ أن البوذيَّةَ الهِنْديَّةَ دخلتِ المناطقَ الصِّينيَّةَ في مراحلَ زمنيَّةٍ مُختلِفةٍ، وعلى الرَّغمِ مِنْ أنَّ البيئةَ الحاضنةَ لهؤلاءِ المؤمنينَ كانتْ ذاتَ طابعٍ محلِّيٍّ، إلَّا أنَّ كلَّ الأفكارِ البوذيَّةِ الَّتي وفدَتْ إلى الصِّينِ قدْ صُبِغتْ (امتزجتْ) بالثَّقافاتِ المحلِّيَّةِ لهؤلاءِ المؤمنِينَ، وقدْ بدَا هذا الأمرُ جليّاً واضحاً في مدارسِ «تسِن -Zen» و«الأرضِ الصَّافيةِ -Pure Land»، اللَّتَيْنِ تَتْبَعانِ بوذيَّةَ قوميَّةِ «الهَانِ -Han»، والأمرُ نفسُهُ في بوذيَّةِ «التِّبتِ -Tibetan» و«ثِيرَفَادَا يُوَّنان -Yunnan Theravada». تعدُّ البوذيَّةُ الصِّينيَّةُ بحقٍّ نتاجَ الاندماجِ بينَ البوذيَّةِ الهنديَّةِ والثَّقافاتِ المُختلِفةِ للأُمَّةِ الصِّينيَّةِ. إنَّ نظريَّاتِ البوذيَّةِ الصِّينيَّةِ قدْ عمَّقَتْ وأثْرَتِ الفكرَ الثَّقافيَّ للصِّينيِّينَ، كما أدَّتِ العمارةُ وفنُّ النَّحتِ البوذيُّ دوراً نشِطاً في تعزيزِ الفنِّ التَّقليديِّ وعلمِ الجمالِ الصِّينيِّ، بالإضافةِ إلى التَّأثيرِ واسعِ المدَى للحِكَمِ البوذيَّةِ وكُتبِها الأخرَى في الأدبِ واللُّغةِ والمنطقِ الصِّينيِّ.

المُؤَسَّسَاتُ والمُنَظَّمَاتُ

في الوقتِ الَّذي وفدَتْ فيه البوذيَّةُ إلى الصِّينِ، تغيَّرَ تقليدُ الحرمانِ الَّذي كانَ الرُّهبانُ يلتزمُون بهِ إلى نظامِ المعبدِ البوذيِّ الَّذي يجمعُ بينَ ممارسةِ الزِّراعةِ وممارسةِ الطُّقوسِ البوذيَّةِ، فأصبح نظامُ المعبد مستقلاً في الاقتصادِ والإدارةِ. وفي الوقتِ ذاتِه، بدأتِ الحكومةُ في أداء دورٍ نشطٍ في إدارةِ الشُّؤونِ البوذيَّةِ منْ خلالِ إقامةِ مُؤسَّساتٍ للرُّهبانِ الرَّسميِّينَ. وابتداءً مِنْ عهدِ أسرتَيْ «سُوِي -Sui» و«تَانْغ -Tang» حتَّى عهدِ أسرتَيْ «مينغ -Ming» و«تشينغ -Qing» كانتْ كلُّ الطَّوائفِ البوذيَّةِ تقريباً مُستقلَّةً عنْ بعضِها، باستثناءِ بوذيَّةِ «التِّبتِ -Tibetan» الَّتي تبنَّتْ نظامَ التَّجسيدِ الحيِّ لبُوذَا في صورةِ «الدَّلَاي لَامَا -Dalai Lama» و«بَانْشِنَ إِرْدِينِي -Panchen Erdeni»، أيِ الجمعَ بينَ الدِّينِ والسِّياسةِ. وخلالَ العصورِ الحديثةِ، أسَّسَ رهبانٌ بوذيُّونَ بارزُونَ وعلماءُ بوذيُّونَ مشهورُونَ وتلاميذُ مِنَ العامَّةِ مؤسساتٍ قوميَّةً مثلَ الجمعيَّةِ البوذيَّةِ الصِّينيَّةِ وهيئةِ «جينلِينْغَ -Jinling» (أوْ «نَانْجِينْغ -Nanjing») لنشرِ الكُتبِ البوذيَّةِ بُغيةَ تعزيزِ وتقويةِ المجتمعِ البوذيِّ. أُسِّستِ الجمعيَّةُ البوذيَّةُ الصِّينيَّةُ في عام1953م، وهي منظَّمةٌ قوميَّةٌ خاصَّةٌ بالمجتمعِ البوذيِّ الصِّينيِّ. أخذتِ العديدُ منَ المنظَّماتِ البوذيَّةِ المحلِّيَّةِ في الظُّهورِ على السَّاحةِ واحدةً تلوَ الأُخرَى، كما أسَّسَ العديدُ منَ المعابدِ البوذيَّةِ أيضاً لجانَ إدارةٍ ديموقراطيَّةٍ لإدارةِ شؤونِ المعابدِ الخاصَّةِ.