أُوبِّرَا بِكِينَPeking Opera
هِي شكلٌ منْ أشكالِ الأُوبِّرَا الصِّينيَّةِ، والمعروفةِ باسمِ (الأوبِّرَا الوطنيَّةِ)، يرجعُ تاريخُها إلى عهدِ الإمبراطورِ «تشِيَان لُونْغ -Qianlong» منْ أسرةِ «تشِينْغ -Qing»، حينَ بدأتِ العديدُ مِنَ الفرقِ الفنِّيَّةِ القادمةِ منْ «آنهوي -Anhui» و«خُوبِي -Hubei» في تقديم أشكالٍ مِنَ الغناءِ فِي «بِكِينَ -Beijing». وكانَ فنَّانُو هذِه الفرقِ يعتمدُونَ علَى الأُوِبِّرا المحلِّيَّةِ الخاصَّةِ بهِم (وهِي أوبِّرَا «هُوِي -Hui» وأُوبِّرَا «هَانْدِيَاو -Handiao» علَى التَّرتيبِ)، ومِنْ ثَمَّ استوعبُوا ألحانَ أُوبِّرَا كُون وأوبِّرَا بَانْغِزِي، وكانوا يستخدمُونَ لهجةَ بِكِينَ فِي أدائِهم. وقدْ أسفرَ ذلكَ عنْ إنشاءِ أوبِّرَا بِكِينَ، الَّتي حقَّقَتْ نضوجَها الفنِّيَّ خلالَ عهدِ الإمبراطورِ «غُوَانْغُكُسُو -Guangxu» منْ أسرةِ «تشِينْغ -Qing». ومنذُ ذلكَ الحينِ، ظلَّتْ أُوبِّرَا بِكينَ الشَّكلَ الأكثرَ شعبيَّةً والأرفعَ مستوىً للأُوبِّرَا الصِّينيَّةِ التَّقليديَّةِ. وأحدُ نماذجِ فنَّانِي هذِه الأوبِّرَا «مِي لَانْفَانْغ -Mei Lanfang»، الَّذي قدَّمَ هذَا الفنَّ للجمهورِ الغربيِّ خلالَ جولاتِهِ فِي الولاياتِ المتِّحدةِ والاتِّحادِ السُّوفِيتيِّ فِي ثلاثينيَّاتِ القرنِ العشرِينَ. وقدْ أدهشَتْ عروضُه المذهلةُ الفنَّانِينَ والنُّقَّادَ الغربيِّينَ علَى حدٍّ سواءٍ، فأشادُوا بأوبِّرَا بِكِينَ باعتبارِها «فنّاً مُذهلاً». وقدْ تشعَّبتْ أوبِّرَا بِكِينَ خلالَ مراحلِ تطوُّرِها الطَّويلةِ إلَى العديدِ مِنَ المدارسِ المُختلِفَةِ. ومِنْ أبرزِ المدارسِ فِي أدوارِ «لَاوْشِينْغَ -laosheng» (الذُّكورِ كبارِ السِّنِّ) مدرسةُ «تَانٍ -Tan» (الَّتي أسَّسَها «تَان تشِينْبِي -Tan Xinpei»)، ومدرسةُ «يُو -Yu» («يُو شُويَان -Yu Shuyan»)، ومدرسةُ «يَانٍ -Yan» («يَان جُوبِينْغ -Yan Jupeng»)، ومدرسةُ «مَا -Ma» («مَاليَا نْلينَانغ -Ma Lianliang»)، ومدرسةُ «تشِي -Qi» («تشُو تشِينْفَانْغ -Zhou Xinfang» الَّذي كانَ مسرحُهُ يُسمَّى مسرحَ «تِشِي لِينْتُونْغ -Qi Lintong»). ومنْ أشهرِ المدارسِ فِي أدوارِ «دانٍ -dan» (الإناثِ) مدرسةُ «مِي -Mei» (الَّتي أسَّسهَا «مِي لَانْفَانْغ -Mei Lanfang»)، ومدرسةُ «تِشِنْغَ -Cheng» («تشِنْغ يَانْتُشُيو -Cheng Yanqiu»)، ومدرسةُ «شَانْغ -Shang» («شَانْغ شِيَاوْيُون -Shang Xiaoyun») ومدرسةُ «شُونٍ -Xun» («شُون هُوِيشِنْغ -Xun Huisheng»). ومِنَ المدارسِ الرَّائدةِ فِي أدوارِ «جِينْغ -jing» (الشَّخصيَّاتِ البارزةِ مِنَ الذُّكورِ الَّذِينَ يُلوِّنُونَ وجوهَهُم) مدرسةُ «جِينٍ -Jin» (الَّتي أسَّسَها «جِين شَاوْشَان -Jin Shaoshan») ومدرسةُ «تشِيُو -Qiu» («تشِيُو شنْغِرُونْغ -Qiu Shengrong»). وبفضلِ تاريخِها العريقِ تفتخرُ أوبِّرَا بِكِينَ بمجموعةٍ كبيرةٍ مِنَ الكلاسِّيكيَّاتِ الَّتي تمَّ اختبارُها عبرَ الزَّمنِ، مثلِ: مجمَّعُ الأبطالِ، حيلةُ المدينةِ الفارغةِ، ممرُّ «وِينْزُوغُوَان -Wenzhaogua»، الزِّيارةُ الثَّانيةُ للإمبراطورةِ، قصَّةُ «سُو سَان -Su San»، محفظةٌ مطرَّزةٌ، أربعةُ مسؤولِينَ جُددٍ، ضجَّةٌ في السَّماءِ.
ويحاولُ الفنَّانُونَ الصِّينيُّونَ منذُ عامِ 1960م -ولا يزالُونَ- تحديثَ أُوبِّرَا بِكِينَ بموضوعاتٍ وأساليبَ جديدةٍ. وأحدُ أبرزِ الإنجازاتِ هُو القيامُ بمَا أُطْلِقَ عليه «مجموعاتُ الأوبِّرَا النَّموذجيَّةُ» فِي ستينيَّاتِ وسبعينيَّاتِ القرنِ العشرِينَ، ومنهَا علَى سبيلِ المثالِ: نيرانٌ فِي «رِيد مَارْش -Reed Marsh»، وأسطورةُ الفانوسِ الأحمرِ، والاستيلاءُ علَى جبلِ النُّمورِ بالتَّخطيطِ والمهارةِ، وبجانبِ نهرِ «جِيَانْغِن -Jiangan»، وجِبالُ «أَزَالْيَا -Azalea»، و«جِي تشِينْغُو -Jie Zhenguo»، والأختُ «هونْغ -Hong». إنَّ سِرَّ سِحرِ أُوبِّرَا بِكِينَ هُو ما تتمتَّعُ بِه منْ خصالٍ شهيرةٍ، منها استخدامُ الأسلوبِ المعبِّرِ، والرَّمزيَّةُ الشَّديدةُ، وجمالُ زخارفِها. وهناكَ مجموعةٌ كاملةٌ مِنَ التَّقاليدِ والشُّروطِ الصَّارمةِ المتعارَفِ عليه للأداءِ الصَّوتيِّ والاستعراضيِّ. وعادةً مَا تتناوبُ الألحانُ بينَ أسلوبَيْنِ أساسِيَّين هُما: «إِيرهُوَانْغ -erhuang» و«تشِيبِي -xipi» لتعكسَ الحالةَ المزاجيَّةَ المتغيِّرةَ، وتصوِّرَ الشَّخصيَّاتِ المتفرِّدةَ. ويستخدِمُ لحنُ «إِيرهُوَانْغ -erhuang» نغماتٍ بطيئةً وناعمةً وأنغاماً رزينةً للتَّعبيرِ عنِ الوحدةِ والاكتئابِ واليأسِ، فِي حينِ يستخدِمُ لحنُ «تشِيبِي -xipi» أنغاماً سريعةً ومبتهجةً ونابضةً بالحياةِ كَي توحِيَ بالسَّعادةِ والإثارةِ والمشاعرِ الجيَّاشةِ. وبالمِثلِ، فإنَّ طرقَ التَّمثيلِ المنمَّقةِ ذاتَ الأسلوبِ المتعارَفِ عليه ذاتُ أثرٍ فعَّالٍ فِي الكشفِ عنِ الشَّخصيَّةِ وحالتِها المزاجيَّةِ. فعلَى سبيلِ المثالِ هناكَ قواعدُ مُحدَّدةٌ خاصَّةٌ بالطَّريقةِ الَّتي ينبغِي أنْ يستخدمَها مَنْ يمثِّلُ شخصيَّةَ الذَّكَرِ عندَمَا يضبطُ قبَّعتَه أو يمسحُ علَى لحيتِه، وقواعدُ أخرَى تفرضُ علَى مَنْ تمثِّلُ شخصيَّةَ الأنثَى أنْ تستخدمَ «شوِيتُشُو -shuixiu» (أكمامَها المتدلِّيةَ) للتَّعبيرِ عنْ مشاعرَ معيَّنةٍ، وقواعدُ أخرَى تحدِّدُ كيفيَّةَ دخولِ الشَّخصيَّاتِ العسكريَّةِ فِي مشهدِ المعاركِ وكيفيَّةِ أداءِ دورِ الدُّخولِ علَى المسرحِ دونَ كلامٍ. وتُثمِّنُ «أُوبِّرَا بِكِين -Peking opera» القيمةَ الرَّمزيَّةَ فِي أدواتِ الإخراجِ المسرحيِّ والرَّقصاتِ.
فعلَى سبيلِ المثالِ، يمكنُ للفنَّانِ ببساطةٍ استخدامُ طريقةِ ضربِ الحصانِ بالسَّوطِ عندَ الرُّكوبِ لتمثيلِ وجودِ الحصانِ ولأداءِ دورِ توجيهِ الحصانِ، أو ركوبِه أو السُّقوطِ عنه، ولا يحتاجُ سوَى القيامِ بأعمالٍ معيَّنةٍ أوِ بطريقةِ مَشْيٍّ مُعيَّنةٍ أو بأداءِ رقصاتٍ مُعيَّنةٍ. وبالمثلِ، يمكنُ استخدامُ كرسيٍّ أو طاولةٍ كبابٍ أو سريرٍ أو حتَّى جبلٍ، كلُّ هذَا يتوقَّفُ علَى كيفيَّةِ استخدامِ الفنَّانِ لَه فِي أدائِه. وعادةً مَا تكفِي أربعُ عمليَّاتِ دخولٍ علَى المسرحِ لتمثيلِ جيشٍ كاملٍ، كمَا أنَّ صُنعَ دائرةٍ حولَ المسرحِ يعادلُ رحلةَ الأَلْفِ ميلٍ. وليسَتْ هناكَ حاجةٌ لوجودِ سلالمَ أو سُفنٍ حقيقيَّةٍ، لأنَّ ثمَّةَ مجموعةً مِنَ الحركاتِ رائعةِ التَّصميمِ تشرحُ كلَّ شيءٍّ، بلْ إنَّه يمكنُ تمثيلُ ساحاتِ معاركِ القصصِ الخياليَّةِ بالقليلِ مِنَ الأعلامِ المطرَّزةِ ذاتِ أنماطٍ معيَّنةٍ: أنماطِ الأمــواجِ لساحةِ القتالِ تحتَ قاعِ البحرِ، وأنماطِ السَّحابِ لشخصٍ فِي الجنَّةِ. وكلُّ هذِه الأفكارِ تعكسُ النَّهجَ التَّقليديَّ للفنِّ الصِّينيِّ الَّذي يسعَى إلَى التَّشبيهِ التَّجريديِّ بدلاً مِنَ التَّكاثُرِ الواقعيِّ. ويتجسَّدُ جمالُ زخارفِ «أُوبِّرَا بِكِينَ -Peking opera» فِي روعةِ أزيائِها، وجمالِ ألوانِ وجوهِ شخصيَّاتِها. وكلُّ زيٍّ هُو تحفةٌ مِنَ الحرفِ اليدويَّةِ لمَا فِيه مِن ألوانٍ قويَّةٍ وأنماطٍ معقَّدةٍ ومجوهراتٍ باهرةٍ، سواءٌ أكانَتْ تتويجاً مرصَّعاً بالجواهرِ لسيِّدةٍ نبيلةٍ، أم حزاماً محفوراً بإتقانٍ علَى اليَشْمِ لمسؤولٍ فِي المحكمةِ، أوْ رايةً كثيرةَ التَّطريزِ علَى ظهرِ أحدِ الجنرالاتِ العسكريِّينَ. والأكثرُ تميُّزاً هُو فنُّ رسمِ الوجهِ، الَّذي يستخدِمُ ألواناً جريئةً وأنماطاً ذاتَ معنىً لإبرازِ السِّماتِ والشَّخصيَّاتِ الفرديَّةِ. فعلَى سبيلِ المثالِ، إذَا كانَ اللَّونُ السَّائدُ لتصميمِ الوجهِ هُو الأحمرُ، فهذَا يعنِي أنَّ الشَّخصيَّةَ مستقيمةٌ وذاتُ ولاءٍ، وبالمثلِ، فإنَّ اللَّونَ الأسودَ يرمزُ إلَى الصَّلابةِ والنَّزاهةِ، والأبيضَ للدَّهاءِ والشَّرِّ، والأزرقَ للغرورِ والعنادِ. وعادةً ما يكونُ تناسقُ التَّصميماتِ مرتبطاً بالشَّخصيَّاتِ ذاتِ الطَّبيعةِ الطَّيِّبةِ، فِي حينِ أنَّ عدمَ تناسقِ التَّصميماتِ هُو مَا يصاحبُ الأشرارَ والغرباءَ. وقدْ صُمِّمتْ لوحاتُ الوجهِ بشكلٍ أساسيٍّ منْ أجلِ أدوارِ شخصيَّتَيْ «تشُو -chou» و«جينْغ -jing»، حيثُ بلغَ عددُ لوحاتِ وجهِ جِينْغ عدَّةَ مئاتٍ مِنْ حيثُ التَّصميمُ. وتفتخرُ «أُوبِّرَا بِكِينَ -Peking opera» مِنْ بينِ جميعِ أشكالِ الأوبِّرَا الصَّينيَّةِ بتقسيمِ الأدوارِ بشكلٍ أكثرَ تطوُّراً وتعقيداً، فلِكلِّ دورٍ منهَا أساليبُ غناءٍ وتمثيلٍ خاصَّة بِه. وهناكَ أربعةُ أنواعٍ أساسيَّةٍ مِنَ الأدوارِ:
و«تشَاوْشِينْغ -xiaosheng» (شخصيَّةٌ شَابَّةٌ)، و«وُشِينْغ -wusheng» (شخصيَّةٌ عسكريَّةٌ). وتنقسمُ هذِه الأنواعُ الفرعيَّةُ بدورِها أيضاً: فعلَى سبيلِ المثالِ، قدْ تأخذُ شخصيَّةُ «لَاوْشِينْغ -laosheng» أدوارَ «شُوشِينْغ -xusheng» (شخصيَّةٌ ذاتُ لحيةٍ)، و«هُونْغِشِينْغ -hongsheng» (شخصيَّةٌ حمراءُ الوجهِ)، كمَا تأخذُ شخصيَّةُ «وُشِينْغ -wusheng» أدوارَ «تشَانْغَكَاو -changkao» / «وشِينْغ -wusheng» (شخصيَّةُ محاربٍ مُدجَّجٍ بالدِّرعِ)، و«دُوَانْدَاduanda» / «وُشِينْغ -wusheng» (شخصيَّةُ محاربٍ يرتدِي سُترةً). «جِينْغ -Jing» هُو أحدُ أدوارِ الذَّكَرِ، وهُو شخصيَّةٌ ذاتُ وجهٍ مُلوَّنٍ ولهَا عدَّةُ أنواعٍ فرعيَّةٍ، مثلِ «هَايْتُو -heitou» (أو «تونْغُتُشُو -tongchui»، وهُو دورٌ يرتكزُ إلى الأداءِ الصَّوتيِّ)، و«جِيَازِي -jiazi» (وهُو دورٌ يتطلَّبُ أداءً بدنيّاً شديداً). و«تشُو -Chou» دورُ المهرِّجُ الذَّكرِ، ويتضمَّنُ «وِينْتشُو -wenchou» (شخصيَّةٌ مدنيَّةٌ) و«وُونْتشُو -wenchou» (شخصيَّةٌ عسكريَّةٌ). ويشيرُ «دَان -Dan» إلَى أيِّ دورٍ نسائيٍّ، ويتضمَّنُ العديدَ مِنَ الأنواعِ الفرعيَّةِ، مثلِ «تشِينْغدَان -zhengdan» (أو «تشِينْغِي -qingyi»، وهي شخصيَّةٌ شابَّةٌ أوْ متوسِّطةُ العمرِ)، و«هُوَادَان -huadan» (عذراءٌ مَرِحةٌ)، و«ووُدَان -wudan» (دورٌ عسكريٌّ) و«كَايْدَان -caidan» (مُهرِّجٌ). فِي عامِ 2010م أدرجتِ اليُونِسْكُو (UNESCO) «أُوبِّرَا بِكِينَ -Peking opera» فِي قائمةِ التُّراثِ الإنسانيِّ التَّجريديِّ.