الأَلعَابُ البَهلَوَانِيَّةُ الصِّينِيَّةُChinese Acrobatics
الألعابُ البهلوانيَّةُ، أوْ فنونُ الأداءِ التَّقليديَّةُ في الصِّينِ بصفةٍ عامَّةٍ اسمٌ جمعيٌّ يشيرُ إلى مجموعةٍ متنوِّعةٍ مِنَ الأعمالِ البُطوليَّةِ، مثلِ الألعابِ البهلوانيَّةِ (إظهارِ المهاراتِ البدنيَّةِ والعروضِ الأدائيَّةِ باستخدامِ الأدواتِ، والعروضِ الأدائيَّةِ الَّتي تؤدَّى على ارتفاعٍ عالٍ، وتلكَ الَّتي تؤدَّى على الماءِ)، والسِّيركِ (الَّتي مِنْ بينِها تدريبُ الحيواناتِ)، والألعابِ السِّحريَّةِ والعروضِ التَّنكُّريَّةِ والمسرحيَّاتِ الهزليَّةِ. نشأتِ الألعابُ البهلوانيَّةُ في البلادِ في الأساسِ في العصرِ الحجريِّ القديمِ، ثُمَّ ما لبثَتْ أنْ غدَتْ وسيلةً مِنْ وسائلِ التَّرفيهِ في العصرِ الحجريِّ الحديثِ. ووَفقاً لِمَا أفادتْ بهِ السِّجِلَّاتُ التَّاريخيَّةُ، فإنَّ فرقَ الموسيقَى في البلاطِ الإمبراطوريِّ الصِّينيِّ المُبكِّرِ للإمبراطورَيْنِ «يَاو -Yao» و«شُون -Shun» كانتْ تؤدِّي العديدَ مِنَ العروضِ المُتنوِّعةِ باستخدامِ الحيواناتِ منذُ 4,000 عامٍ تقريباً. وفي عهدِ الرَّبيعِ والخريفِ وعهدِ الدُّولِ المُتحارِبةِ تطوَّرتْ هذِه الألعابُ إلى مجموعةٍ مِنَ العروضِ البهلوانيَّةِ الموسيقيَّةِ الرَّاقصةِ، وتشملُ المصارعةَ ورفعَ الأثقالِ، وقذفَ الرَّقائقِ في الآنيةِ، والمبارزةَ بالسُّيوفِ، والوقوفَ على الأيدِي والمشيَ على الحبالِ، والألعابَ البطوليَّةَ على ظهورِ الخيلِ، وتسلُّقَ الأعمدةِ، والمحارَبةَ مع الحيواناتِ وغيرَها. وخلالَ حكمِ أسرةِ «شُون -Shun» قُدِّمتْ عروضُ درامَا المصارعةِ (الَّتي عُرفتْ أيضاً باسمِ درامَا الأداءِ المسرحيَّةِ الَّتي تضمَّنتْ مهاراتِ المصارعةِ القديمةِ)، الَّتي كانتْ شائعةً في الأساسِ بينَ العامَّةِ في البلاطِ الإمبراطوريِّ، وظلَّتْ مُتداوَلةً في عهدِ الدَّولةِ المُتحارِبةِ التَّاليةِ. وتشيرُ الوثائقُ التَّاريخيَّةُ (مثلُ السِّجلِّ الموسيقيِّ لتاريخِ أسرةِ «سُوِي -Sui» الحاكِمةِ) إلى أنَّ الإمبراطورَ «يَانْغ -Yang» -أحدَ أباطرةِ هذِه الأسرةِ- كانَ يَعقدُ وليمةً عظيمةً للضُّيوفِ الأجانبِ إلى جانبِ العروضِ الأدائيَّةِ البهلوانيَّةِ الَّتي كانتْ تؤدَّى على نطاقٍ واسعٍ في شارعِ «تِيَانْجين -Tianjin». شهدَتِ الألعابُ البهلوانيَّةُ في الصِّينِ تطوُّراً مُدهشاً، واكتسبتْ خصائصَ جديدةً، ووَفقاً لتاريخِ (أسرةِ) «تَانْغ -Tang» القديمةِ، كانتِ العروضُ البهلوانيَّةُ الرَّئيسةُ تؤدَّى في أعيادِ ميلادِ الأباطرةِ أوْ خلالَ المهرجاناتِ، وقدْ تضمَّنتْ هذِه الأحداثُ عروضاً مثلَ رقصِ الأُسودِ ورقصةِ تغييرِ الملابسِ والسِّيركِ والتَّلاعُبِ بالسَّيفِ والوقوفِ على الأيدِي... إلخ. وخلالَ عهدِ أسرةِ «سُونْغ -Song» الحاكِمةِ، ازدهرتِ الألعابُ البهلوانيَّةُ بينَ العامَّةِ مِنَ الشَّعبِ الصِّينيِّ، كمَا شهدتِ الأشكالُ الأدائيَّةُ ومحتوياتُ البرامجِ تغييراتٍ جذريَّةً، وبدأَ أداءُ هذِه العروضِ في مراكزِ التَّسليةِ والتَّرفيهِ، كمَا شهدتْ برامجُ هذِه الألعابِ أيضاً التَّغييرَ على نطاقٍ ضيِّقٍ. والحقُّ إنَّ الألعابَ البهلوانيَّةَ خلالَ هذِه المُدَّةِ شهدتْ تطوُّراً غيرَ مسبوقٍ، حيثُ شملتِ العروضُ الرَّئيسةُ مهاراتِ الشَّعوذةِ والْكُوجُو (هي لعبةُ كرةِ القدمِ في الصِّينِ القديمةِ) والمشيَ على الحبالِ، ومصارعةَ السُّومُو، والفنونَ العسكريَّةَ والفروسيَّةَ، ومهاراتِ التَّلاعُبِ على صهوةِ الخيلِ، والمحاكاةَ الصَّوتيَّةَ، والسِّحرَ، والألعابَ النَّاريَّةَ، والعروضَ المسرحيَّةَ على الماءِ، والمسرحيَّاتِ الَّتي تُؤدَّى بواسطةِ الدُّمَى... إلخ. وخلالَ عهدِ أسرِ «يُوَان -Yuan» و«مينغ -Ming» و«تشينغ -Qing» الحاكِمةِ عانَى فنُّ الألعابِ البهلوانيَّةِ التَّراجُعَ، بل استُخدِمتْ معظمُ برامجِ هذِه الألعابِ وسيلةً لكسْبِ العيشِ للمُشرَّدِينَ، وفي أواخرِ عهدِ أسرةِ «تشينغ -Qing» وجمهوريَّةِ الصِّينِ، اضطرَّ عددٌ منَ القرويِّينَ لتركِ مزارعِهم وخوضِ غمارِ الألعابِ البهلوانيَّةِ لكسبِ عيشِهِم بسببِ تدهور الاقتصادِ والحرمانِ الَّذي عانتْهُ المناطقُ الرِّيفيَّةُ. كانَ هؤلاءِ القرويُّونَ يؤدُّونَ عروضَهم على رصيفِ «تِيَان شِيُو -Tianqiao» في بِكِينَ، والأماكنِ الَّتي لمْ تكنْ تخضعُ لسلطةِ أيِّ شخصٍ في «تِيَانْجين -Tianjin» ومعبدِ «كُونْفُوشيُوسَ -Confucius» في «نَانْغِينْغ -Nanjing»، بالإضافةِ إلى المعارضِ أوْ معارضِ المعابدِ في أماكنَ مُتعدِّدةٍ، حيثُ يحتشدُ جمهورٌ عريضٌ مِنَ العامَّةِ ولاعبِي الألعابِ البهلوانيَّةِ، كمَا ظهرتْ بعضُ الأماكنِ الشَّهيرةِ الَّتي اعتُبرتْ مهداً للألعابِ البهلوانيَّةِ منْهَا «وُوشِيَاو -Wuqiao» التَّابعةُ لمحافظةِ «خِبِي -Hebei» و«غُونْغِي -Gongyi» التَّابعةُ لمحافظةِ «خِنَانَ -Henan» و«لِيَاوْ شينغ -Liaocheng» التَّابعةُ لمحافظةِ «شَانْ دُونْغَ -Shandong»، ومعظمُها أماكنُ فقيرةٌ كانتْ توجدُ في وسطِ الصِّينِ في ذلك الزَّمانِ. في وقتٍ لاحقٍ، وبسببِ سياسةِ فتحِ الميناءِ، زارت الصِّينَ فرقُ سيركٍ أجنبيَّةٌ حديثةٌ، وقَدَّمتْ عروضَها في البلادِ، وسافرَ العديدُ مِنَ اللَّاعبِينَ الصِّينيِّينَ إلى خارجِ البلادِ لتعلُّمِ مهاراتٍ أجنبيَّةٍ. ومنذُ تلكَ الآونةِ، اكتسبَ فنُّ الألعابِ البهلوانيَّةِ الصِّينيُّ تدريجيّاً أسلوباً جديداً، كمَا اكتسبتْ أشكالُ هذا النَّوعِ مِنَ الفنِّ مزيداً من الاحترامِ منذُ تأسيسِ جمهوريَّةِ الصِّينِ الشَّعبيَّةِ في عامِ 1949م، حيثُ أُنشئتِ المجموعاتُ في المحافظاتِ والمناطقِ ذاتِ الحكمِ الذَّاتيِّ، وفي البلديَّاتِ والقوَّاتِ العسكريَّةِ، كمَا خُصِّصتْ لهُمُ المسارحُ لأداءِ الأشكالِ المُختلِفةِ مِنْ هذا الفنِّ. يمتازُ فنُّ الألعابِ البهلوانيَّةِ الصِّينيُّ في العصرِ الحديثِ باشتمالِه على مجموعةٍ واسعةٍ مِنَ العروضِ، تشملُ الألعابَ السِّحريَّةَ (مثلَ خفَّةِ اليدِ... إلخ) والمُهرِّجَ، والمُشعوِذَ، والأعمالَ الخاصَّةَ الَّتي تشتملُ على الهيكلِ مُتعدِّدِ الأدوارِ، والسِّيركَ السِّحريَّ الصِّينيَّ التَّقليديَّ. وباستثناءِ الألعابِ البهلوانيَّةِ الصِّينيَّةِ التَّقليديَّةِ مثلِ خدعةِ الدَّرَّاجاتِ وتدويرِ القرصِ والقفزِ منْ خلالِ الأطواقِ على الأرضِ... إلخ، فإنَّ الألعابَ البهلوانيَّةَ الصِّينيَّةَ الحديثةَ أعطتْ صوراً جميلةً عنْ هذِه المرحلةِ، حيثُ تُصاحِبُ هذِه العروضَ موسيقَى مُتناغِمةٌ ومؤثِّراتٌ مساعدةٌ جيِّدةٌ منْ أجلِ إيجادِ مرحلةٍ تامَّةِ التَّطورِ منْ هذَا الفنِّ. شهدتِ السَّنواتُ الأخيرةُ حصولَ العديدِ منْ لاعبِي الأكروباتِ الصِّينيِّينَ على العديدِ مِنَ الجوائزِ في المنافساتِ الدُّوليَّةِ، مثلِ جائزةِ المُهرِّجِ الذَّهبيِّ في مهرجانِ مُونْتِ كَارْلُو الدُّولِيِّ للسِّيركِ... إلخ.
ولا يزالُ البحثُ في تاريخِ فنِّ الأكروباتِ الصِّينيِّ مستمرّاً، حيثُ أُلِّفَتِ العديدُ مِنَ الكتبِ في هذَا الشَّأنِ ومنها: الَألعَابُ البَهْلَوَانيَّةُ الصِّينيَّةُ الحَدِيثَةُ (مِنْ تأليفِ «شِيَا جُوهُو -Xia Juhua» و«وَانْغ فِينْغ -Wang Feng» و«لَانْ تِيَان -Lan Tian»)، وتَارِيخُ الْأَلْعَابِ الْبَهْلَوَانِيَّةِ الصِّينيَّةِ (مِنْ تأليفِ «فُو تشِي فِينْغ -Fu Qifeng» و«فُو تِينْغ لُونْغ -Fu Tenglong») والسِّيرْكُ - فنٌّ لَا حُدُودَ لَهُ (منْ تأليفِ «وَانْغ فِينْغَ -Wang Feng»)، وتَارِيخُ فَنِّ الأَلعَابِ البَهْلَوَانِيَّةِ الصِّينيَّةِ (منْ تأليفِ «فُو تِيَانْ شينغ -Fu Tianzheng» و«شُو شُوَانْغ -Xu Zhuang»)، وبَحْثٌ في الأَلعَابِ البَهْلَوَانِيَّةِ فِي القَرنِ العِشرِينَ (من تأليفِ «شُو شُوَانْغ -Xu Zhuang»).