الطُّرُقُ السَّرِيعَةُ في الصِّينExpressways in China
المقصودُ بِـ"الطُّرقِ السَّريعةِ في الصِّين": الطُّرقُ السَّريعةُ متعدِّدةُ المسارات ذات الاتِّجاهَيْن، المصمَّمة بحيث تكون السُّرعةُ المقرَّرةُ فيها 80-120 كم/ساعة، والَّتي تخضَع جميع مداخِلها للمراقبة والسَّيطرة، وذلك وفقاً للمعيار التِّقنيِّ الصِّينيِّ لهندسة الطُّرق السَّريعة (JTG B01-2014).
أوَّل بناءٍ للطُّرق السَّريعة بالمعنى الحديث كان في ألمانيا، وتحديداً في ثلاثينيَّات القرن العشرين. بعد ذلك، بلغ بناء الطُّرق السَّريعة أوْجَ ذُروته في البلدان المتقدِّمة، وخاصةً في: الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، في الفترة الممتدَّة من خمسينيّات القرن العشرين إلى سبعيناته.
وأوَّل طريقٍ سريعٍ في الصِّين هو: طريق "سُون يات سين - Sun Yat-sen" الحرُّ الَّذي يَصِلُ بين مدينتَيْ "كِيلُونغ -Keelung " و"كاوِهْسِيونُغ - Kaohsiung"، والَّذي افتُتِحَ أمام حركة المرور في "تايوان - Taiwan" عام 1978م، بينما كان أوَّلُ ظهورٍ للطُّرق السَّريعة في البرِّ الرَّئيسيِّ الصِّينيِّ في عام 1988م، حين تمَّ الانتهاء من طريق "شانغهَاي-جيَادِينْغ / Shanghai-Jiading" السَّريع بطول 20.5 كم، وافتُتِحَ أمام حركة المرور، وسرعان ما دخلت الصِّينُ عقِبَ ذلك مرحلةَ التَّطوير المستمرِّ في إنشاء الطُّرق السَّريعة، حيث انصبَّ التَّركيزُ في هذه المرحلة على الطُّرق السَّريعةِ عالية الجودة، وتمَّ تشغيل عددٍ من مشروعات الطُّرق السَّريعة. وفي عام 1990م، تمَّ الانتهاء من طريق "شِينيَانْغ-داليَان / Shenyang-Dalian" السَّريع، بإجماليِّ طول 371 كم. وفي عام 1993م، افتُتِحَ طريقُ "بِكين-تيانْجِين-تانغُو / Beijing-Tianjin-Tanggu" السَّريعُ أمام حركة المرور، وهو أوَّل طريقٍ سريعٍ يَربطُ بين المقاطعات، وأُنشِئَ بقروضٍ من "البنك الدَّوليِّ"، وقد زوَّد هذا المشروعُ البلادَ بخِبرةٍ قيِّمةٍ في إنشاء مشروعات البُنية التَّحتيَّة الأخرى المرتبطة باستخدام القروض الأجنبيَّة. وفي نهاية عام 1997م، بلَغ الطُّول الإجماليُّ للطُّرق السَّريعة في الصِّين 4771 كيلومتراً، وشُكِّلَ نموذجُ استثمارٍ وتمويلٍ يضمُّ: استثمارات الدَّولة، وتمويلات الحكومة المحلِّيَّة، واستخدام رأس المال الخاصِّ والأجنبيِّ.
في عام 1998م، جاءت استجابةُ الحكومةِ الصِّينيَّةِ للأزمة الماليَّة في جنوب شرق آسيا، حيث قرَّرتْ تنفيذَ سياسةٍ ماليَّةٍ استباقيَّةٍ، وتسريعَ تشييد البنية التَّحتيَّة وتوسيعَ الطَّلب المحلِّيّ، الأمر الَّذي أدَّى إلى تسارُع خُطى بناء الطُّرق السَّريعة بشكلٍ كبيرٍ. وفي عام 2004م، وافقَ مجلسُ الدَّولةِ على "خطَّة شبكة الطُّرق السَّريعة الوطنيَّة"، وهي أوَّلُ خطَّةٍ استراتيجيَّةٍ لشبكة الطُّرق السَّريعة في الصِّين. وبنهاية عام 2007م، بلغ إجماليُّ طول الطُّرق السَّريعة في الصِّين 53900 كم، لتحتلَّ الصِّينُ بذلك المرتبةَ الثَّانيةَ في العالَم. يوضِّحُ هذا الرَّقمُ أنَّ متوسِّط طول الطُّرق السَّريعة الَّتي أُنشِئت في السَّنوات العشر الَّتي سبقت عام 2007م كان أكثر من 5000 كيلومتراتٍ في كلِّ عامٍ. وبهذا، تشكَّلتْ شبكةُ طرقٍ سريعةٌ أوَّليَّةٌ في البلاد. وفي عام 2008م، ومع اندلاع الأزمة الماليَّة العالميَّة النَّاجمة عن أزمة القروض العقاريَّة غير المضمونة في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، نفَّذت الحكومةُ الصِّينيَّةُ استراتيجيَّةً لتعزيز الطَّلب المحلِّيِّ وضمان النُّموِّ، ممَّا حفَّز بناء الطُّرق السَّريعة بشكلٍ أكبرٍ. وبعد ذلك، تجاوَز متوسِّط الطُّول السَّنويُّ للطُّرق السَّريعة المبنيَّة حديثاً الَّتي فُتِحَت أمام حركة المرور 8000 كيلومتراتٍ، كما أُنشِئَ عددٌ من الطُّرق السَّريعة ذات المسافات الطَّويلة بين المقاطعات، منها: طريق "بِكين-هارْبِين / Beijing-Harbin"، وطريق "بِكين-شانغهاي / Beijing-Shanghai"، وطريق "تشِينغْدَاو-يِنْشُوان / Qingdao-Yinchuan"، وطريق "شانغهاي-كُونْمِينْغ / Shanghai-Kunming". وبذلك، ترسَّخ أساس شبكة الطُّرق السَّريعة الوطنيَّة في الصِّين بشكلٍ كبيرٍ.
وفي بداية عام 2012م، بلَغ إجماليُّ طول الطُّرق السَّريعة في الصِّين 96000 كم، وهو رَقمٌ يفوق نظيره في الولايات المتَّحدة، وبذلِكَ تبوَّأت الصِّينُ المرتبةَ الأولى في العالَم. وفي عام 2013م، تمَّ الإعلانُ عن "الخطَّة الوطنيَّة للطُّرق السَّريعة (2013-2030م)". ومع تقدُّم وتيرة الإصلاح في جميع المجالات منذ انعقاد المؤتمر الوطنيّ الثَّامن عشر للحزب الشُّيوعيِّ الصِّينيّ في عام 2012، تمَّ تحسينُ تقسيمِ المسؤوليَّات الماليَّة والإداريَّة بين الحكومات المركزيَّة والمحلِّيَّة لبناء الطُّرق السَّريعة وإدارتها، وظهرَتْ نماذجُ جديدةٌ للاستثمار والتَّمويل، وتمَّتْ مراجعةُ اللَّوائح الخاصَّة بإدارة الطُّرق ذات رسوم المرور، واقترحَتْ سلطاتُ النَّقل نهجاً ذا شقَّين يؤكِّد أهمِّيَّة كلٍّ من الطُّرق السَّريعة العاديَّة غير ذات الرُّسوم والطُّرق السَّريعة ذات الرُّسوم، وتحوَّلَ تركيزُ تطوير الطُّرق السَّريعة من الاهتمام بالحجم والسُّرعة إلى الاهتمام بالجودة والكفاءة.
وعلى الرَّغم من أنَّ الصِّين دولةٌ حديثة العهد في مجال تطوير الطُّرق السَّريعة، فقد استطاعت توطيد أقدامها سريعاً في هذا المجال. وفي فترةٍ لا تزيد كثيراً على ثلاثة عقودٍ، أنشأتِ الصِّينُ أكبر نظامٍ للطُّرق السَّريعة في العالَم. وبحلول عام 2020م، تجاوَز إجماليُّ طول الطُّرق السَّريعة المفتوحة أمام حركة المرور 155000 كم، لتحتلَّ الصِّينُ بذلك المرتبةَ الأولى في العالَم، وتغطِّي جميع المدن تقريباً الَّتي يبلغ عددُ سكَّان كلٍّ منها أكثر من 200000 نسمةٍ، كما قطعَتِ الشَّركات الصِّينيَّة خطواتٍ واسعةً في اختراق السُّوق الدَّوليَّة، حيث أصبح بناء طُرُق المرور السَّريع وطُرق النَّقل السَّريعة إحدى البصمات المميِّزة للصِّين.
وفي عام 2017م، طرَح المؤتمرُ الوطنيُّ التَّاسع عشر للحزب الشُّيوعيِّ الصِّينيِّ هدفَ "بناءِ دولةٍ ذات شبكات نقلٍ قويَّةٍ". وفي 8 فبراير/ شباط عام 2021م، أصدرَت اللَّجنةُ المركزيَّةُ للحزبِ الشُّيوعيِّ الصِّينيِّ ومجلسُ الدَّولة المبادئَ التَّوجيهيَّةَ الخاصَّةَ بتطوير شبكة نقلٍ وطنيَّةٍ شاملةٍ، وهي أوَّل خطَّةٍ متوسِّطة الأجل وطويلة الأجل للصِّين في هذا الصَّدد. ومن المقرَّر -وفقاً لهذه المبادئ- أن تقوم الصِّينُ ببناء حوالَي 160000 كيلومترٍ من الطُّرق السَّريعة الجديدة، منها سبعةُ خطوطٍ سريعةٌ تنطلق من العاصمة "بكين - Beijing"، و11 خطًّا يربط بين الشَّمال والجنوب، و18 خطًّا يربط بين الشَّرق والغرب. ومع اكتمال هذه الخطوط، تكون الطُّرق السَّريعة قد ربطتْ جميعَ المراكز الإداريَّة على مستوى المحافظة، أو ما هو أعلى منها، وعلى مستوى المدن والمناطق الَّتي يتجاوَز عددُ سكَّان الحَضر في كلِّ واحدةٍ منها 100000 نسمةٍ، وتخدِم 90% من جميع الأقاليم الإداريَّة على مستوى المناطق.