الإِسْلَامُ فِي الصِّينِChinese Islam

هوَ أحدُ الأديانِ الأساسيةِ الأربعة في الصِّينِ، وهي البوذيَّةُ الصِّينيَّةُ، والطَّاوِيَّةُ، والمسيحيَّةُ الصِّينيَّةُ، والإسلامُ الصِّينيُّ. يعنِي لفظُ الإسلامِ الاستسلامَ للهِ أو طاعةَ اللهِ. في الصِّينِ أُطلِقَتْ على الإسلامِ ألفاظٌ صينيَّةٌ مُتعدِّدةٌ. يُسمَّى من يعتنِقُ دينَ الإسلامِ مُسلِماً، أي الذي يستسلمُ للهِ. دخلَ الإسلامُ إلى الصِّينِ بعدَ مدةٍ وجيزةٍ منْ ظهورِه في شبهِ الجزيرةِ العربيَّةِ، حيثُ يرجعُ تاريخُ أقدمِ السِّجِلَّاتِ التَّاريخيَّةِ عنِ الإسلامِ إلى وثائقِ السَّفرِ الخاصَّةِ بسفينةِ «تَانْغَ -Tang» في عهدِ «دُو هُوَانَ -Du Huan»، ووفقاً لكتابِ: الوقائعِ التَّاريخيَّةِ لإقليمِ «فُوجِيَانَ -Fujian»، جاءَ أربعةٌ منْ صحابةِ مُحمَّدٍ ﷺ البارزِينَ إلى الصِّينِ في عهدِ الإمبراطورِ «غَاوزُو -Gaozu» مِنْ أسرةِ «تَانْغَ -Tang» الحاكِمةِ، فانطلقُوا لنشرِ الدَّعوةِ الإسلاميَّةِ، حيثُ ذهبَ أحدُهم إلى «غُوَانْغتشُو -Guangzhou» وآخَرُ إلى «يَانْغُتشُو -Yangzhou» والاثنانِ الآخرَانِ إلى «قُوَانْغتشُو -Quanzhou». ومنذُ القرنِ التَّاسعِ الميلاديِّ، جاءَ الكثيرُ مِنَ المسلمِينَ العربِ إلى الصِّينِ بحراً أو برّاً بغرضِ التِّجارةِ أوِ السِّياحةِ أوِ الدَّعوةِ، كمَا أرسلَ عثمانُ بن عَفَّان رضي الله عنه، ثالثُ خلفاءِ الإمبراطوريَّةِ العربيَّةِ، مبعوثِيهِ إلى الصِّينِ في عامِ 651م (وهيَ السَّنةُ الثَّانيةُ مِنْ عهدِ الإمبراطورِ «غَاوْزُونْغَ -Gaozong» مِنْ أسرةِ «تَانْغَ -Tang»، وعلَى مدَى القرونِ السِّتَّةِ التَّاليةِ، أرسلتِ الإمبراطوريَّةُ العربيَّةُ 47 مجموعةً مِنَ المبعوثِينَ إلى الصِّينِ، وارتبطَ تطوُّرُ الإسلامِ في الصِّينِ ارتباطاً وثيقاً بالتُّجَّارِ العربِ الَّذينَ جاؤُوا إليهَا عنْ طريقِ البحرِ. وبالإضافةِ إلى ذلِكَ، جعلت الحكومةُ الصِّينيَّةُ من مُدنِ «غُوَانْغتشو -Guangzhou» و«يَانْغتشُو -Yangzhou» و«قُوَانْغتشُو -Quanzhou» و«هَانْغتشُو -Hangzhou» موانئَ تجاريَّةً دُوليَّةً، وعاشَ فيهَا العديدُ منَ التُّجَّارِ العربِ لفترةٍ طويلةٍ، وأُطلقَ عليهِم اسمُ «فَانْ كِي -Fan Ke» (أيْ ضيوفٌ أجانبُ)، وكانتِ المناطقُ السَّكنيَّةُ التي يعيشون فيها تُسمَّى «فَانْ فَانْغ -Fan Fang» (أيْ مناطقُ سكنِ الأجانبِ). كمَا أنشأتِ الحكومةُ مكتباً مختصّاً بشؤونِ الأجانبِ، وكان يرأسُه أصحابُ المكانةِ السَّاميةِ منْ بينِ هؤلاءِ الأجانبِ لإدارةِ شؤونِهم المدنيَّةِ والدِّينيَّةِ. إلى جانبِ ذلِكَ، أُتيحَ لهؤلاءِ الأجانبِ أيضاً إنشاءُ عددٍ مِنَ المساجدِ والمقابرِ العامَّةِ. وخلالَ إقامتِهم الطويلة في الصِّين، تزوَّجَ هؤلاءِ بأفرادٍ من الشَّعبِ الصِّينيِّ فاعتنقُوا الإسلامَ تدريجيّاً. أمَّا فيمَا يتعلَّقُ بالتَّوسُّعِ الجغرافيِّ، فقدْ تسبَّبَ التَّوسُّعُ العربيُّ نحوَ الشَّرقِ بانتشارِ الإسلامِ في آسْيَا الوسطَى، وفي عهدِ أسرةِ «سُونْغ الشَّماليَّةِ -Northern Song» انتشرَ أيضاً إلى «شينجِيَانْغ -Xinjiang» في الصِّينِ، وبعدَ ذلِكَ إلى البرِّ الرَّئيسِ للصِّينِ منَ الطَّريقِ الشَّماليِّ والطَّريقِ الجنوبيِّ. ونتيجةً لحملةِ جِنْكِيز خَان التَّوسُّعيَّةِ نحوَ الغربِ، توجَّهَ عددٌ كبيرٌ منْ قاطنِي آسْيَا الوسطَى، إضافةً إلى الفرسِ والعربِ، نحوَ الشَّرقِ في طريقِهم إلى الصِّينِ للمشاركةِ في أنشطةِ إعادةِ التَّأهيلِ العسكريِّ وإنتاجِ الحِرفِ اليدويَّةِ وغيرِها، وارتقَى بعضُهم ليصبحَ منْ أفرادِ الطَّبقاتِ العليَا، ونتجَ عنْ ذلِكَ أنِ انتشرَ نفوذُ الإسلامِ، فقدِ اعتنقَ الإسلامَ «آنَانْدَا -Ananda» حفيدُ «قُوبْلَاي خَان -Kublai Khan»، وكانَ معظمُ جنودِه منَ المسلمِين، وبالتَّالِي انتشرَ الإسلامُ وامتدَّ سلطانُه على نطاقٍ واسِعٍ أثناءَ ولايةِ «آنَانْدَا -Ananda» على مقاطعاتِ «شَانْشِي -Shaanxi» و«غَانْسُو -Gansu» و«نِينْغشِيَا -Ningxia» و«تشينغهَاي -Qinghai»، كمَا استَقَرَّ التُّجَّارُ المسلمُونَ الَّذينَ جاؤُوا إلى الشَّرقِ في مقاطعاتِ «شَانْشِي -Shaanxi»، و«غَانْسُو -Gansu»، و«نِينْغِشِيَا -Ningxia»، و«خِنَان -Henan»، و«يُونَّان -Yunnan» الصِّينيَّةِ على نحوٍ كبيرٍ، وبعدَ مدةٍ وجيزةٍ انتشرَ الإسلامُ في جميعِ أنحاءِ الصِّينِ، حتَّى عبَّرَ الصِّينيُّون عن ذلك بمَثَلٍ يقول: إن خطواتِ المسلمِينَ غطَّتْ أرجاءَ الصِّينِ. وبالإضافةِ إلى ذلِكَ، كانَ العديدُ منَ الآباءِ المؤسِّسِينَ لأسرةِ «مينغ -Ming» منَ المسلمِينَ، وأغلبُهم مِنْ كبارِ المسؤولِينَ، كمَا ذُكرَ أنَّ الملَّاحَ الشَّهيرَ «تشِنغ خِه -Zheng He» كانَ مسلماً، وذاتَ مرَّةٍ وصلَ إلى الجزيرةِ العربيَّةِ خلالَ رِحْلاتِه السَّبعِ إلى الدُّولِ الغربيَّةِ، ولمَّا نزلَ بهَا انطلقَ قسمٌ منْ طاقمِه في رحلةٍ إلى مكَّةَ ورسمُوا صورةً للمسجدِ الحرامِ. ومنذُ عهدِ أسرةِ «مينغ -Ming» اعتنقَ الإسلامَ نحوُ 10 مجموعاتٍ عِرقيَّةٍ في الصِّينِ، هُم: «هُوِي -Hui»، و«أُويغُورUygur»، و«كَازَاكُ -Kazak»، و«أُوزْبَكِ -Uzbek» و«قِرْغِيزُ -Kirgiz»، و«طَاجِيكُ -Tajik»، و«تَارْتَار -Tartar»، و«دُونْغ شِيَانْغ -Dongxiang»، و«سَالَار -Salar»، و«بُونَان -Bonan». ويؤمنُ المسلمِونَ الصِّينيِّونَ بأركانِ الإيمانِ السِّتَّةِ، فَهُمْ يؤمنُونَ باللهِ (أوِ الرَّبِّ)، والملائكةِ، والكتبِ السماويَّةِ، والأنبياءِ، واليومِ الآخِرِ، والقَدَرِ، ويلتزمُون بممارسةِ أركانِ الإسلامِ الخمسةِ، والَّتي تشملُ الشَّهادتين، والصلاةَ، والصَّومَ، والزَّكاةَ، والحجَّ. وينتمِي معظمُ المسلمِينَ الصِّينيِّينَ إلى المذهبِ الحنفِيِّ التَّابعِ لأهلِ السُّنَّةِ، وفي ظلِّ انتشارِ الإسلامِ في الصِّينِ برزَتْ مذاهبُ أخرَى منَ الإسلامِ السُّنِّيِّ مثلِ: القديمِ والإخوانِ وغيرِهم، ويُطلَقُ علَى بعضِ هذِه المذاهبِ اسمُ الجماعةِ، ويتركَّزُ نشاطُها في مقاطعاتِ «شَانْشِي -Shaanxi» و«غَانْسُو -Gansu» و«نِينْغِشِيَا -Ningxia» و«تشينغهَاي -Qinghai» في شمالِ غربِ الصِّينِ، وتتَّفقُ هذِه المذاهبُ جميعُها في المعتقَداتِ والشَّعائرِ، ولا تختلفُ إلَّا في بعضِ التَّفاصيلِ. وقد ظهرَ في الصين علماءُ مسلمُونَ وأئمةٌ بارزُونَ، ففِي أواخرِ عهدِ أسرةِ «مينغ -Ming» افتَتَحَ «هُو دِينْغتشُو -Hu Dengzhou» مدرسةَ المسلمِينَ الصِّينيِّينَ. ومنذُ أواخرِ عهدِ أسرةِ «مينغ -Ming» إلى بدايَّةِ عهدِ أسرةِ «تشينغ -Qing» تُرجمتِ العديدُ منَ الكتاباتِ الفقهيَّةِ الإسلاميَّةِ إلى اللُّغةِ الصِّينيَّةِ على يدِ علماءَ بارزِينَ مثلِ «وَانْغ دَايُو -Wang Daiyu» و«مَا تشُو -Ma Zhu» و«لِيُو تشو -Liu Zhu»، أمَّا في العصرِ الحديثِ، فقدْ طُبِّقَ منهجُ الإصلاحِ في نظامِ التَّعليمِ الإسلاميِّ في الصِّينِ، وتَمَّ تدريبُ مجموعةٍ منَ العلماءِ المسلمِينَ ومُترجِمِي الكتبِ المُقدَّسةِ، وإصدارُ مجموعةٍ مُتنوِّعةٍ منْ نُسخِ التَّرجمةِ الصِّينيَّةِ للقرآنِ. تشملُ المِهرجاناتُ الكبرَى للمسلمِينَ في الصِّينِ عيدَ الفطرِ، الذي يُحتَفلُ بِهِ في الأوَّلِ منْ شوَّال وفقاً للتَّقويمِ الإسلاميِّ، وعيدَ الأضحَى، الَّذي يوافِقُ يومَ العاشرِ منْ ذي الحجَّةِ وفقاً للتَّقويمِ الإسلاميِّ، ويومَ الاحتفالِ بالمولدِ النَّبويِّ، ويكونُ في الثَّانِي عشرَ منْ ربيعٍ الأوَّلِ وفقاً للتَّقويمِ الإسلاميِّ إحياءً لذكرَى مولدِ محمَّدٍ ﷺ ووفاتِه. توجدُ في الصِّين المنظَّمةُ الوطنيَّةُ للإسلامِ، وهيَ الرَّابطةُ الإسلاميَّةُ لمسلمِي الصِّينِ، بالإضافةِ إلى الجمعيَّاتِ المحلِّيَّةِ الإسلاميَّةِ الَّتي لا تخلُو منْهَا أيَّةُ مقاطعةٍ أوْ منطقةٍ ذاتيَّةِ الحكمِ أوْ بلديَّةٍ أوْ أيّةُ منطقةٍ يقطنُها المسلمُونَ. ويُعدُّ المعهدُ الإسلاميُّ الصِّينيُّ الأكاديميَّةَ الوطنيَّةَ لتأهيلِ الأئمةِ والدُّعاةِ والباحثِينَ الإسلاميِّينَ الصِّينيِّينَ، إلى جانبِ العديدِ منَ المعاهدِ الإسلاميَّةِ المحلِّيَّةِ.