ازدِهَارُ عَصرِ كَاييُوَانProsperity of Kaiyuan Era
قــادَ «لِـــي لُونْغِجِي -Li Longji» (الإمبراطورُ «شُوَانْزُونغ -Xuanzong») إمبراطوريَّةَ «تَانْغ -Tang» إلَى قمَّةِ مجدِها خلالَ عصرِ «كَايِيُوَان -Kaiyuan»، الَّذي كانَ يتمتَّعُ بالاستقرارِ السِّياسيِّ الملحوظِ، والازدهارِ الاقتصاديِّ، والتَّقدُّمِ الثَّقافيِّ والقوَّةِ الوطنيَّةِ. وقدْ كانَ هذَا إنجازاً رائعاً نظراً للفوضَى الَّتي حدثتْ فِي عهدِ الإمبراطورِ «تشُونْغ زونْغ -Zhongzong» والإمبراطورِ «روِيتشُونغ -Ruizhong». وبعدَ إجبارِ «وُو تسِيتِيَان -Wu Zetian» علَى التَّنازلِ عنِ العرشِ، أصبحتِ الحكومةُ المركزيَّةُ غارقةً فِي صراعاتِ السُّلطةِ الَّتي دارتْ بينَ الفصائلِ المتنافسةِ منْ مسؤولِي المحاكمِ، فضلاً عنْ طموحِ بعضِ أفرادِ العائلةِ الإمبراطوريَّةِ، مثلِ أقاربِ «وُو -Wu»، والإمبراطورةِ «وِي -Wei» زوجةِ الإمبراطورِ «تشُونْغ تُسُونْغ -Zhongzong»، وابنتِها الأميرةِ «أَنْلِي -Anle»، والأميرةِ «تَايبِينغ -Taiping» ابنةِ الإمبراطورِ «روتشُونْغ -Ruizhong». وقدِ استمرَّتْ هذِه المعاركُ الدَّاخليَّةُ الشَّرسةُ ومَا تلاهَا مِنِ انقلاباتٍ عنيفةٍ حتَّى عامِ 713م، عندَما اتَّخذَ «لِي لونْغِجي -Li Longji» خطوةً استباقيَّةً للإطاحةِ بخصمِه الأكبرِ، الأميرةِ «تَايبِينغ -Taiping»، فقدِ استعانَ بمستشارِه «يَاو تشُونْغ -Yao Chong» وقامَ باتِّخاذِ مجموعةٍ مِنَ التَّدابيرِ لتصحيحِ السِّياساتِ غيرِ المرغوبِ فيهَا وتحسينِ كفاءةِ الحكومةِ، وتمكَّنَ منْ تعزيزِ سلطتِه بالإغداقِ علَى إخوانِه بمظاهرِ التَّكريمِ والمزايَا العينيَّةِ وبحرمانِهم مِنَ السُّلطةِ الحقيقيَّةِ. ولاستعادةِ المزيدِ مِن الاستقرارِ السِّياسيِّ، أخذَ «لِي لُونْغِجِي -Li Longji» بنصيحةِ «يَاو -Yao» بتطهيرِ حكومتِه مِنَ المسؤولِينَ الفاسدِينَ، وبإجبارِ الرُّهبانِ والرَّاهباتِ البوذيِّينَ غيرِ الجديرِينَ بحياةِ الدِّينِ علَى العودةِ إلَى حياتِهم اللَّادينيَّةِ. وقدْ كانَ المستشارُ «يَاو -Yao» وخلفاؤُه فِي هذَا العصرِ، مثلُ «سُونْغ جِينْغ -Song Jing»، و«تشَانْغ يُوِي -Zhang Yue»، و«هَان شِيُوِي -Han Xiu»، و«تشَانْغ جِيُولِينْغ -Zhang Jiuling»، مضربَ المثلِ فِي السِّياسةِ، فقد قدَّمُوا إسهاماتٍ كبيرةً فِي شؤونِ الدَّولةِ. وقدْ أرسَى الاستقرارُ السِّياسيُّ الأساسَ لمَا جاءَ بعدَه مِنْ تقدُّمٍ اجتماعيٍّ وازدهارٍ اقتصاديٍّ. وشهدَ عصرُ «كَايِيُوَان -Kaiyuan» استصلاحَ مساحاتٍ شاسعةٍ مِنَ الأراضِي القاحلةِ، حتَّى إنَّ بعضَ الجبالِ شديدةِ الانحدارِ والوديانِ تحوَّلت إلَى أرضٍ خصبةٍ. وأدَّتْ وفرةُ المنتجاتِ إلَى انخفاضِ الأسعارِ وازدهارِ التِّجارةِ، فعزَّزَ ذلك وجودَ حركةٍ تجاريَّةٍ سلسةٍ وآمنةٍ. وبفضلِ هذَا الأمنِ والثَّراءِ ازدهرتِ الثَّقافةُ أيضاً، لا سيِّما شعرَ شِي. وفِي هذِه الحقبةِ، ذاعتْ شهرةُ العديدِ مِنَ الشُّعراءِ البارزِينَ، مثلِ «غَاو شِي -Gao Shi»، و«سِن شِين -Cen Shen»، و«وَانْغ وِي -Wang Wei»، ولَا سيَّما «لِي بَاي -Li Bai» و«دُو فُو -Du Fu»، وترعرعَ العلماءُ العشرةُ الأوائلُ فِي عصرِ «دالِي -Dali» (وهمُ الشُّعراءُ المشهورُونَ فِي عهدِ أسرةِ «تَانغ -Tang» الوسطَى). وفِي الوقتِ نفسِه، حقَّق الفنَّانُونَ الصِّينيُّونَ أيضاً إنجازاتٍ ملحوظةً فِي مجالاتٍ أخرَى مثلِ الموسيقَى والرَّسمِ والنَّقشِ والنَّحتِ. ومِنَ الإنجازاتِ البارزةِ الأخرَى فِي هذَا العصرِ القوَّةُ الوطنيَّةُ المنيعةُ لِـ«تَانغ -Tang»، فقدْ عزَّز الإمبراطورُ «شُوَانْزُونغ -Xuanzong» التَّكتُّلَ العسكريَّ فِي المناطقِ الحدوديَّةِ، وفتحَ المزارعَ الَّتي تديرُها الدَّولةُ، ما أدَّى إلَى تحسُّنٍ كبيرٍ فِي الدِّفاعِ الوطنيِّ. ولبناءِ هيكلِ قيادةٍ موحِّدٍ لجيوشِه، قامَ بتعيينِ تسعةِ حكَّامٍ عسكريِّينَ فِي الشَّمالِ والشَّمالِ الغربيِّ والجنوبِ، بالإضافةِ إلَى تعيينِ مفوَّضٍ عسكريٍّ للإشرافِ علَى القوَّاتِ فِي خمسِ محافظاتٍ فِي المنطقةِ الَّتي تغطِّي «غُوَانْغ دُونْغ -Guangdong» و«غُوَانْغِشِي -Guangxi». وبفضلِ هذِه الجهودِ، استعادَتْ «تَانغ -Tang» أراضِيها المفقودةَ، كمَا خضعَتْ لسلطانِها القبائلُ القوميَّةُ فِي سهلِ مَنْغُوليا. وفِي هذِه الأثناءِ، ومعَ الهدوءِ التَّدريجيِّ لحربِ «تَانْغَ -Tang» معَ قبيلةِ «تُوجُو -Tujue» المتأخِّرةِ، توصَّلَ الطَّرفانِ فِي النِّهايةِ إلَى تقاربٍ. ثُمَّ قامَ الإمبراطورُ بعدَ ذلكَ بتنصيبِ مفوَّضٍ حاكماً عسكريّاً مسؤولاً عنْ بلداتِ الحصنِ الأربعِ فِي الأقاليمِ الغربيَّةِ لمنعِ قبيلةِ التِّبْتِ مِنَ التَّوسُّعِ شمالاً، كمَا أضافَ الحامياتِ العسكريَّةَ غربَ جبالِ «لونغَشَان -Longshan» والنَّهرِ الأصفرِ لحمايةِ ممرِّ «هِيشي -Hexi» (وهُو جزءٌ حيويٌّ فِي طريقِ الحريرِ). وقدْ ضمِنَتْ هذِه الجهودُ سلاسةَ وسلامةَ حركةِ التِّجارةِ بينَ الصِّينِ ووسطِ وغربِ آسْيَا. ونتيجةً لذلكَ، امتدَّ التَّقديرُ العظيمُ لِـ«تَانغ -Tang» فِي الدُّولِ المحيطةِ حتَّى وصلَ غربَ آسْيَا، حيثُ توافدَتْ إلَى المملكةِ الوسطَى وفودٌ مِنَ الدِّبلوماسيِّينَ الأجانبِ ورجالِ الأعمالِ. ومعَ ذلكَ، فقدْ صاحبَتِ الازدهارَ أزماتٌ اجتماعيَّةٌ وسياسيَّةٌ عميقةُ الجذورِ. وأدَّى تفاقمُ الاستيلاءِ علَى الأراضِي منْ جانبِ أصحابِ العقاراتِ ذوِي النُّفوذِ إلَى خروجِ العديدِ مِنَ الفلَّاحِينَ منْ منازلِهم، ما دفعَ بعضَ أُسُسِ النِّظامِ -بمَا فِي ذلكَ نظامُ تسويةِ الأرضِ ونظامُ الخدمةِ الإلزاميَّةِ ونظامُ الضَّرائبِ النِّظاميَّةِ- إلَى حافةِ الانهيارِ. وفوقَ كلِّ ذلكَ، كانتِ القوَّاتُ المُتقاعِسةُ الخاضعةُ للسَّيطرةِ المباشرةِ للحكومةِ المركزيَّةِ تشعرُ بالعجزِ أمامَ القوَّاتِ المدجَّجةِ التَّابعةِ للحكَّامِ العسكريِّينَ، وهُو وضعٌ قلبَ ميزانَ القوَى لصالحِ هؤلاءِ الرِّجالِ المحلِّيِّينَ الأقوياءِ، ومهَّدَ الطَّريقَ أمامَ متمرِّدِي «أَنْ-شِي -An-Shi».