الأَدَبُ الصِّينِيُّChinese Literature
يشيرُ مصطلحُ الأدبِ الصِّينيِّ إلى أدبِ الأمَّةِ الصِّينيَّةِ، خاصَّةً قوميَّةَ «هَانَ -Han»، ويمتدُّ لآلافِ السِّنينَ، حيثُ يرجعُ تاريخُه إلى أوَّلِ أرشيفٍ مُدوَّنٍ لقاعةِ البلاطِ الملكيِّ وصولاً إلى الأعمالِ الرِّوائيَّةِ الصَّادرةِ للبالغِينَ باللُّغةِ العامِّيَّةِ، في عهدِ أسرةِ «مينغ -Ming»، للتَّرفيهِ عنَ الجماهيرِ الصِّينيَّةِ المُثقَّفةِ، ويتميَّزُ الأدبُ الصِّينيُّ بمحتوياتِه وأشكالِه وأساليبِه الأدبيَّةِ الفريدةِ بالإضافةِ إلى أفكارِه الجماليَّةِ الخاصَّةِ، وموروثِه الأيديولوجيِّ والثَّقافيِّ السَّائدِ، ونهجِه النَّقديِّ منَ النَّاحيةِ النَّظريَّةِ.
نَظْرَةٌ عَامَّةٌ
تتميَّزُ الصِّينُ بأنَّها بلدٌ مُوَحَّدٌ يجمعُ العديدَ منَ القوميَّاتِ، ولأدبِ كلِّ قوميَّةٍ نشأتُه التَّاريخيَّةُ، وإنتاجُه وتطوُّرُه، بالإضافةِ إلى قيمِه وإنجازاتِه الخاصَّةِ، ويتَّضحُ ذلِكَ منْ خلالِ كوكبةٍ منَ الجواهرِ اللَّامعةِ في خزينةِ الأدبِ الصِّينيِّ تشملُ: المَلحَمَةَ التِّبتيَّةَ (المَلِكُ «غِيسَار -Gesar») والقَصِيدَةَ الرِّوَائِيَّةَ: بَين السَّعَادَةِ والحِكمَةِ لقوميَّةِ «الأويغُورِ -Uygur»، والقَصِيدَةَ الرِّوَائِيَّةَ: قَرْيةَ «تشَاوْشُو -Zhaoshu» لقوميَّةِ «الدَّاي -Dai»، والقَصِيدَةَ الرِّوَائِيَّةَ «أَشِيمَا -Ashima» لقوميَّةِ «يِي -Yi»، والقَصِيدَةَ الرِّوَائِيَّةَ «غَادَامِيلِين -Gadameilin» للقوميَّةِ المنغوليَّةِ. وقدْ أضفَى التَّنوُّعُ والتَّكامُلُ المُتبادَلُ للأعمالِ الأدبيَّةِ الصَّادرةِ عنْ قوميَّةِ «هَان -Han» وباقِي الأقلِّيَّاتِ وفرةً وثراءً للأدبِ الصِّينيِّ بكافَّةِ أنواعِه ومستوياتِه.
أمَّا الشِّعرُ الصِّينيُّ، وهوَ أحدُ أقدمِ الأشكالِ الفنِّيَّةِ في الأدبِ الصِّينيِّ، فقدْ بدأَ بمجموعةٍ شعريَّةٍ مُؤَثِّرةٍ تُسمَّى الـ«شِيجينغ -Shijing» أوْ قَانُونَ القَصَائِدِ، ويضمُّ أكثرَ منْ 300 قصيدةٍ مُتنوِّعةِ الأساليبِ تتراوحُ مَا بينَ القصائدِ الَّتي تغلبُ عليهَا الموسيقَى الشَّعبيَّةُ إلى تلِكَ الَّتي تتضمَّنُ تراتيلَ الاحتفالاتِ والمراسمِ. ثُمَّ نشأَ نوعٌ جديدٌ منَ الشِّعرِ يُطلَقُ عليهِ «تشُوسي -Chuci» أوْ أَغَانِي «تشُوسي -Chuci»، وتتأكَّدُ نسبتُه إلى الشَّاعرِ الكبيرِ «كِيُو يُوَان -Qu Yuan». إن أثرَ مجموعةِ الـ«شِيجينغ -Shijing» وكتابِ أَغَاني «تشُوسي -Chuci» ما يزال باقياً على مدارِ التَّاريخِ الصِّينيِّ. أمَّا فيمَا يتعلَّقُ بأسلوبِ الكتابةِ، فقدْ سطَّرَتْ مجموعةُ الشِّيجينغِ وكتابُ أَغَانِي تشُو التَّقاليدَ الشِّعريَّةَ الواقعيَّةَ والرُّومانسيَّةَ للأدبِ الصِّينيِّ على التَّوالِي، وفي عهدِ أسرتَي «هَان -Han» و«وِي -Wei» الشَّماليَّةِ والجنوبيَّةِ، نُظمَ الشِّعرُ المُسمَّى «يُويِه فُو -Yuefu»، وجمعَتْه ونقَّحَتْه دائرةُ الموسيقَى لأسرةِ «هَان -Han» مِنْ موسيقَى الأغانِي الشَّعبيَّةِ الَّتي تتميَّزُ بقوَّةِ الحسِّ الواقعيِّ على وجهِ التَّحديدِ، ومنْ أمثلةِ القصائدِ الرِّوائِيَّةِ التَّقليديَّةِ الشَّهيرةِ في الأدبِ الصِّينيِّ قصيدةُ: «شَجَرَةُ تُوتٍ عَلَى جَانِبِ الطريق»، وقصيدةُ: «تَحْلِيقُ الطَّاوُوسِ نَحوَ الجَنُوبِ الشَّرْقِيِّ»، وقصيدةُ: أُغْنِيةُ «مُولَان -Mulan». وبعدَ ذلِكَ صارَ بناءُ البيتِ الشِّعريِّ المُكوَّنِ منْ خمسةِ وسبعةِ رموزٍ الأكثرَ شُيوعاً في دائرةِ الموسيقَى، كمَا شهِدتْ نهايةُ أسرةِ «هَان -Han» ظهورَ نوعٍ جديدٍ مِنَ الشِّعرِ يُسمَّى شِعْرَ «شِي -She»، وتُعدُّ مجموعةُ القصائدِ التي عنوانُها: «تِسْعَ عَشْرَةَ قَصِيدَةً قَدِيمَةً مجهولةَ القائلِ» برهاناً على نضجِ شِعْرِ «شِي -She» المكوَّنِ منْ خمسةِ رموزٍ. وبعدَ خفوتِ شعرِ «شِي -She» المؤلَّفِ منْ خمسةِ رموزٍ، لمعَ نجمُ شِعرِ «شِي -She» المُؤلَّفِ منْ سبعةِ رموزٍ خلالَ حكمِ أسرتَي «جين -Jin» و«سُونْغ -Song». كمَا مهَّدَ الشِّعرُ المنظومُ على نمطِ «يُونْغ مينغ -Yongming» ورائدُه الشَّاعرُ «شين يُوِي -Shen Yue» الطَّريقَ للنَّمطِ الموسيقيِّ أوِ العَرُوضِ، الهادف إلى النُّهوضِ بشِعرِ «شِي -She» والارتقاءِ بِه، خلالَ حُكمِ أسرتَي «تِشِي -Qi» الجنوبيَّةِ و«لِيَانْغَ -Liang». وفي عهدِ أسرةِ «تَانْغَ -Tang»، وهي مرحلةٌ شهدت ازدهارَ الشِّعرِ الحديثِ أوْ حديثِ الأسلوبِ، تطوَّرَ الشِّعرُ الكلاسيكيُّ والحديثُ تطوُّراً شاملاً، ليُخرِجَ للعالَمِ ثُلَّةً مِنَ الشُّعراءِ العظماءِ مثلِ «لِي بَاي -Li Bai» و«دُو فُو -Du Fu» و«بَايْ جُوِيِى -Bai Juyi».
لطالمَا ارتبطَ الشِّعرُ الصِّينيُّ بالموسيقَى ارتباطاً وثيقاً، ومرَّتِ العلاقةُ بينَهُما بثلاثِ مراحلَ، وهِـــي: انقيادُ الموسيقَى للشِّعرِ، ودمجُ الشِّعرِ في الموسيقَى، ونظْمُ القصيدةِ بناءً على الإيقاعِ الموسيقِيِّ، وتشيرُ المرحلةُ الأخيرةُ إلى ابتداعِ نوعٍ جديدٍ منَ الشِّعرِ الرَّاقِي ببناءٍ شِعريٍّ جديدٍ، وهوَ شِعرُ «تسِي -Ci»، مِنْ خلالِ سلسلةٍ طويلةٍ مِنَ التَّطوراتِ الَّتي شملتِ الشِّعرَ والموسيقَى على التَّوالِي. وقدْ نشأَ شِعرُ «تسِي -Ci» بينَ المدنيِّينَ كنوعٍ منَ الأدبِ الموسيقيِّ، ومنذُ عهدِ «هَايْ تَانْغ -High Tang» أصبحَ مِنَ الشَّائعِ قرضُ الشِّعرِ على نهجِ شِعرِ «تسِي -Ci». وشهدتِ الأسرُ الخمسُ ظهورَ مُخْتَارَاتٍ مِنْ أَشْعَارِ «تسِي -Ci» المُنْتَقَاةِ مِنْ «رَوْضِ الْأَزْهَارِ»، وهيَ أوَّلُ مجموعةٍ شِعريَّةٍ لشِعرِ «تسِي -Ci». وفي عهدِ أسرةِ «سُونْغ -Song» ازدهرَ شِعرُ «تسِي -Ci»، حيثُ صارتْ مئاتُ الأغانِي قوالبَ قياسيَّةً لنظمِ القصائدِ ذاتِ البحورِ الشِّعريَّةِ المُميَّزةِ والمُتنوِّعةِ، وقدِ انعقدتِ المقارنةُ بينَ النَّمطِ التَّعبيريِّ الحرِّ لشِعرِ «تسِي -Ci» وشِعرِ «تَانْغ -Tang» الفخمِ، ليتفوَّقَ شِعرُ «تسِي -Ci»، الَّذي برز فيه عددٌ كبيرٌ مِنَ الشُّعراءِ المُتميِّزِينَ، كالشَّاعرِ «سُو شِي -Su Shi»، بينَما شهدتِ المدةُ المُتأخِّرةُ منْ عهدِ أسرةِ «سُونْغَ -Song» الجنوبيَّةِ اضمحلالاً تدريجيّاً لشِعرِ «تسِي -Ci»، الَّذي فقَدَ قدرتَه على الاستجابةِ للموسيقَى، وفي تلكِ الأثناءِ، ظهرَ نوعٌ جديدٌ مِنَ الشِّعرِ يُدعَى «سَانْكُو -Sanqu» (الْأَغَانِي المُنفصِلةُ)، وهوَ مُكوَّنٌ من قصائدَ مُنفرِدةٍ تجمعُ بينَ «الهُويُو -Huyue» (الموسيقَى الأجنبيَّةِ) والأغانِي الشَّعبيَّةِ الشَّماليَّةِ واللُّغةِ البسيطةِ، وقدْ حظِيَ باهتمامِ الجماهيرِ. وقدْ اشتملَ شِعرُ «سَانْكُو -Sanqu» على الكثيرِ مِنَ المصطلحاتِ الشَّعبيَّةِ والتَّعبيراتِ العامِّيَّةِ، ذاتِ الأثرِ البالغِ في نفسِ السَّامعِ العامِّيِّ، كمَا استحدثَ روحَ الدُّعابةِ في العالَمِ الشِّعريِّ الصِّينيِّ آنذَاكَ. وشهدَتْ أسرةُ «يُوَان -Yuan» ازدهارَ شِعرِ «سَانْكُو -Sanqu» كأحدِ أكثرِ أنواعِ الشِّعرِ انتشاراً في تاريخِ الشِّعرِ الصِّينيِّ، فمنذُ ارتقاءِ كلماتِ القصائدِ لشِعرِ «تسِي -Ci» في عهدِ أسرةِ «سُونْغ -Song»، وتفوُّقِ شِعرِ «سَانْكُو -Sanqu» في عهدِ أسرةِ «يُوَان -Yuan»، استمرَّ نظْمُ الشِّعرِ الصِّينيِّ على النَّهجِ الكلاسيكيِّ، وصارَ مهارةً تقليديَّةً يحوزُها المُثقَّفُونَ على مدارِ حكمِ أسرِ «سُونْغ -Song» و«يُوَان -Yuan» و«مينغ -Ming» و«تشينغ -Qing»، وبالرَّغمِ مِنَ الحفاظِ على أكثرَ مِنْ مليونِ قصيدةٍ، بمَا في ذلِكَ القصائدُ الَّتي نظمَتْها النِّساءُ والعديدُ مِنَ الفئاتِ المُتنوِّعةِ الأخرَى، لكنْ لمْ تحقِّقْ واحدةٌ منهَا إنجازاً يفوقُ ما تحقَّقَ في عهدِ أسرةِ «تَانْغ -Tang».
تناولَ الأدبُ الصِّينيُّ التَّقليديُّ فنَّ النَّثرِ، وكانَ يسيرُ جنباً إلى جنبٍ معَ الشِّعرِ عامَّةً بالإضافةِ إلى شِعرِ «تسِي -Ci». ويُعدُّ كِتَابُ الْوَثَائِقِ -الَّذي يُعتقَدُ أنَّ تاريخَ جمعِه يرجعُ إلى القرنِ السَّادسِ قبلَ الميلادِ- خيرَ مثالٍ للتَّعبيرِ عَنِ النَّثرِ الصِّينيِّ القديمِ، خاصَّةً ما يحتوِيه مِنَ الوثائقِ والخُطبِ الَّتي تُنسبُ إلى الحُكَّامِ والمسؤولِينَ في بدايَّةِ عهدِ أسرةِ «تُشُو -Zhou» وما قبلَها. وعلى الرَّغمِ مِنْ أنَّ لغةَ الكتابِ تتَّسمُ بالجمودِ، لكنْ يغلبُ عليْهِ الطَّابعُ الرِّوائيُّ، وبذلِكَ يكتسبُ خصوصيَّةً أدبيَّةً أساسيَّةً. وخلالَ حقبةِ الممالكِ المُتحارِبةِ، احتدمتِ المنافساتُ بينَ المدارسِ الفكريَّةِ المُتنوِّعةِ مِنْ أجلِ جذبِ مزيدٍ مِنَ الاهتمامِ، فازدهرَ النَّثرُ الصِّينيُّ القديمُ، وخاصَّةً النَّثرُ التَّاريخيُّ ونثرَ «زُو - زِي /zhu-zi»، ويُمثِّلُ النَّثرَ التَّاريخيَّ كتابُ السَّيِّدِ «زُيُو كِيومينغ -Zuo Qiuming» «التَّعْلِيقُ علَى أَحْدَاثِ الرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ»، وكتابُ: «خِطَابَاتُ الدُّوَلِ الْإِقْطَاعِيَّةِ الْقَدِيمَةِ وسِجِلُّ الدُّوَلِ الْمُتَحَارِبَة»، بينمَا يتَّضحُ نثرُ «زُو زِي /zhu-zi» في كتاباتِ الفلاسفةِ مِنْ أمثالِ «مِينْسِيُوس -Mencius»، و«تشوَانْغ زِي -Zhuangzi»، و«شونْزِي -Xunzi»، و«هَان فَاي زِي -Hanfeizi».
إنَّ الكُونْفُوشيُوسيَّةَ والطَّاوِيَّةَ هما المدرستَانِ الرَّئيستَانِ في تاريخِ الفكرِ الصِّينيِّ، لذلك تُعدُّ مُؤلَّفاتُ: تَعَالِيمِ «كُونْفُوشيُوسَ -Confucius» و«مِنْسِيُوسَ -Mencius» و«دِرَاسَةِ الْمَنْهَجِ وَالْفَضِيلَة»، و«تشوَانْغ زِي -Zhuangzi»، أكثرَ الأعمالِ الأدبيَّةِ تأثيراً على مدارِ تاريخِ الأدبِ الصِّينيِّ. ويتميَّزُ النَّثرُ المكتوبُ في هذه المرحلةِ بقوَّةِ العاطفةِ، وبلاغةِ الحجَّةِ، وفصاحةِ اللُّغةِ، وإحكامِ التَّراكيبِ، والاهتمامِ بضربِ الأمثلةِ، واستخدامِ الاستعاراتِ إلى حدٍّ كبيرٍّ، وقدِ اتَّخذَ النَّثرُ نسقَه الأساسيَّ في ذلِكَ الوقتِ، بينَما اتَّجهتِ المساعِي في عهدِ أسرةِ «هَانَ -Han» إلى إضفاءِ مزيدٍ مِنَ الصَّنعةِ الأدبيَّةِ على النَّثرِ معَ الميلِ إلى صياغةِ النَّثرِ الشِّعريِّ.
وممَّا لا ريبَ فِيهِ أنَّ الأعمالَ المرجعيَّةَ المُؤلَّفةَ في هذِه المرحلةِ يتصدَّرُها كتابُ: (سجلَّاتُ المُؤَرِّخِ -Records of the Historian)، الَّذي كتبَه المُؤَرِّخُ «سِيمَا تشِيَان -Sima Qian»، وهوَ أحدُ مُؤَرِّخِي البلاطِ لأسرةِ «هَان -Han»، ويُعدُّ هذَا العملُ الخالدُ حجرَ الأساسِ للتَّأريخِ الصِّينيِّ، وللعديدِ مِنَ النُّصوصِ التَّاريخيَّةِ الصِّينيَّةِ الرَّسميَّةِ الَّتي سجَّلتِ الأحداثَ التَّاريخيَّةَ للأسرِ اللَّاحِقةِ.
وقدْ نتجَ عنْ تطوُّرِ النَّثرِ المُوازِي أنْ تراجعَ النَّثرُ التَّقليديُّ، ولمْ يرجِعْ إلى سابقِ عهدِه حتَّى عصرِ «تَانْغ -Tang» الَّذي شهدَ تأييداً شديداً مِنَ الأدباءِ، مثلِ «هَانْ يُو -Han Yu» و«لِيُو زُونْغ يُوَان -Liu Zongyuan»، لنسجِ النَّثرِ على المِنوالِ الكلاسيكيِّ، ومعارضةِ الإغراقِ في استخدامِ المُحسِّناتِ البديعيَّةِ الخاويةِ الَّتي اتَّسمَتْ بِهَا أساليبُ النَّثرِ المُوازِي. وقدِ اشتهرَ مِنَ أنواعِ النَّثرِ الكلاسيكيِّ في عهدِ أسرتَي «تَانْغ -Tang» و«سُونْغ -Song» النَّثرُ المُرسَلُ، وهوَ أسلوبٌ كلاسيكيٌّ جديدٌ يتميَّزُ بالبساطةِ والمباشرةِ والرَّونقِ، وقد هيمَنَ على النَّثرِ الأدبيِّ الكلاسيكيِّ بعدَ مدةٍ قصيرةٍ، وباعتبارِ المقالِ نوعاً مهمّاً مِنَ النَّثرِ الأدبيِّ الكلاسيكيِّ، فقدْ تميَّزَ بسحرِه الفريدِ في عهدِ أسرتَي «مينغ -Ming» و«تشينغ -Qing»، حيثُ شكَّلَ جوهرَ النَّثرِ في عهدِ أسرةِ «تَانْغَ -Tang»، واجتمعَتْ في الأعمالِ الأدبيَّةِ روحُ الدُّعابةِ وجزالةُ المعنَى في عهدِ أُسرتَي «وِي -Wei» و«جين -Jin» الشَّماليَّةِ والجنوبيَّةِ. أمَّا النَّثرُ المُوازِي ونثرُ «فُو -Fu» فقدْ كانَ تصنيفُهما يقعُ بينَ الشِّعرِ والنَّثرِ في الأدبِ الصِّينيِّ. وقدْ تحدَّرَ نثرُ «فُو -Fu» مِنْ أغانِي «تُشُو -Chu»، واشتهرَ في عهدِ أسرةِ «هَانَ -Han»، واتَّسمَ بالإفراطِ في استخدامِ السَّجعِ والصُّورِ البيانيَّةِ، بينَما ازدهرَ النَّثرُ المُوازِي في عهدِ أسرةِ «وِي -Wei» و«جين -Jin» والأسرِ الشَّماليَّةِ والجنوبيَّةِ، وأبرزُ مَا يُميِّزُه العنايَّةُ بصياغةِ الجُملِ وبترتيبِها، واستعمالُ الطِّباقِ البليغِ والنَّغماتِ المُتناسِقةِ، ومعَ ذلِكَ لمْ يعتَنِ باستخدامِ القافيةِ.
لمْ تحظَ الرِّوايةُ أوِ الدِّرامَا باهتمامٍ كبيرٍ في الأدبِ الصِّينيِّ التَّقليديِّ، لذلك لمْ تظهرَا إلَّا مُتأخِّراً في عهدِ أسرِ «يُوَانَ -Yuan» و«مينغ -Ming» و«تشينغ -Qing»، حينَها فقطْ بدأَ تطوُّرُ فنِّ الرِّوايةِ والدِّرامَا باعتبارِهِما نوعاً من أنواعِ الأدبِ الصِّينيِّ. وفي هذِه المرحلةِ، ظهرَ العديدُ مِنَ الكُتَّابِ العظماءِ والمُؤلَّفاتِ القيِّمةِ في مجالَي الرِّوايةِ والدِّرامَا، مثلِ الدِّرامَا الشَّهيرةِ: الظُّلْمُ الْوَاقِعُ عَلَى «دُو إِي -Dou E» بقلم «غوان هانغ كينغ -Guan Hanqing»، وأيضاً: قِصَّةُ حُبٍّ فِي الْمَقْصُورَةِ الْغَرْبِيَّةِ، بقلمِ «وَانْغ شِيفُو -Wang Shifu» في عهد أُسرةِ «يُوَانَ -Yuan»، و«جَنَاحُ الْفَاوَانْيَا -The Peony Pavilion» لـ«تَانْغ شيانزو -Tang Xianzu» في عهد أسرةِ «مينغ -Ming»، وعَاشِقُ تَفَتُّحِ زَهْرَةِ الْخَوْخِ لِـ«كُونْغ شَانْغرِنَ -Kong Shangren»، ومِنَ الرِّواياتِ الشَّهِيرَةِ: «رومانسيَّةُ الممالكِ الثَّلاثِ» و«حَافَّةُ الْمَاءِ» و«رِحْلَةٌ إلَى الْغَرْبِ» و«حكاياتٌ عجيبةٌ مِنْ مَرسَمٍ صِينِيٍّ» و«الْعُلَمَاءُ». ومِنْ بينِ كلِّ هذه الأعمال، تُعدُّ روايَّةُ: «حُلْمِ الْغُرْفَةِ الْحَمْرَاء» أفضلَ مَا أنتجَه الأدبُ الرِّوائيُّ الصِّينيُّ بلا مُنازِعٍ، فهيَ تحفةٌ فنِّيَّةٌ دفعتِ الأدبَ الصِّينيَّ نحو آفاقٍ جديدةٍ، ويمكنُ أنْ ترتقيَ هذه الرواية لتكونَ مِنَ ضمن الرِّواياتِ العالميَّةِ الشَّهيرةِ.
وعلى الرَّغمِ مِنْ أنَّ تطوُّرَ الأدبِ الصِّينيِّ الكلاسيكيِّ قدْ انتهجَ مساراً تدريجيّاً، إلَّا أنَ خصائِصَهُ اكتسبَتْ ثباتاً ورسوخاً، لا سيَّما فيمَا يتعلَّقُ بوحدتِه وتجانسِه ويظهر ذلك بوضوحٍ عندَ مقارنتِه بالأدبِ الغربيِّ. ولمْ تكنْ هذِه السِّماتُ وليدةَ اللَّحظةِ، بل ارتبطتِ ارتباطاً وثيقاً بمراحلِ تطوُّرِ التَّاريخِ الصِّينيِّ، إذْ كانَ الأدبُ الصِّينيُّ يعانِي في ظلِّ نظامٍ ملكيٍّ إقطاعيٍّ مركزيٍّ عتيقٍ، وانحصرَ نطاقُ التَّبادُلِ مع الأدبِ الأجنبيِّ، إضافةً إلى مظاهرِ التَّنكُّرِ للدِّينِ، فترتَّبَ على ذلِكَ أنْ ترسَّخَ الأدبُ الصِّينيُّ واتَّسمَ بالوقارِ، ومعَ نهايَّةِ القرنِ التَّاسِعَ عشرَ وبدايَّةِ القرنِ العشرِينَ، تسبَّبتِ الأساليبُ الفنِّيَّةُ القديمةُ والمحتوَى الفكريُّ المُبتذَلُ في القضاءِ على الأدبِ الصِّينيِّ الكلاسيكيِّ. وفي أثناءِ التَّصدِّي لسلسلةٍ مِنَ الأزماتِ القوميَّةِ الَّتي ظهرتْ بعدَ حربِ الأفيونِ، بدأَ بعضُ المُثقَّفِينَ في البحثِ عنْ حلولٍ لمشاكلِ الصِّينِ خارجَ نطاقِ تقاليدِهَا الخاصَّةِ، وكان مِنْ بينِ الحلولِ النَّموذجيَّةِ أنْ شهدَ الأدبُ صعودَ المدرسةِ اللِّيبراليَّةِ مُمَثَّلةً في «جُونْغ زِيتشنَ -Gong Zizhen» و«هُوَانْغ شُونْتِشِيَان -Huang Zunxian». وأثناء حركةِ «المئةِ يومٍ» الإصلاحيَّة في عامِ 1898م، اقترحَ الإصلاحيُّونَ البُرجوازيُّونَ مثلُ «لِيَانْغ كِيتشَاوْ -Liang Qichao» و«هُوَانْغ شُونْشِيَانَ -Huang Zunxian» القيامَ بالثَّورةِ الشِّعريَّةِ، والثَّورةِ الأدبيَّةِ والثَّورةِ الرِّوائيَّةِ، مُدَّعِينَ دَعْمَ اللُّغَةِ العَامِّيَّةِ وإِلْغَاءَ اللُّغَةِ الصِّينيَّةِ الْكِلَاسِيكِيَّة، وفي تلكَ المرحلةِ، أُصدِرتِ الرِّواياتُ السِّياسيَّةُ الَّتي تهدفُ إلى إثارةِ الثَّوَراتِ واحدةً تِلْوَ الأخرَى، ومِنْ ذلِكَ: فَضِيحَةُ الْعَالَمِ الرَّسْمِيِّ بِقلمِ «لِي بَاوْجِيَا -Li Baojia»، ومَشَاهِدُ عَبَثِيَّةٌ عَلَى مَدَارِ عِشْرِينَ عَاماً لمؤلِّفِها «وُو جِيَانْرِن -Wu Jianren»، وأَسْفَارُ لَاوْ كَانَ بقلمِ «لِيُو إِي -Liu E»، وزَهْرَةٌ فِي بَحْرِ الْخَطِيئَةِ للمُؤلِّفِ «زِنْغ بُو -Zeng Pu»، وقدْ أُطلقَ علَى هذِه الرِّواياتِ الأربعِ اسمُ: «رُبَاعِيَّةُ الرِّوَايَاتِ السَّاخِرَةِ»، فِي أواخرِ عهدِ أسرةِ «تشينغ -Qing» قبلَ عام 1911م، وهيَ تصوِّرُ الوضعَ الاجتماعيَّ حالَ انهيارِ أسرةِ «تشينغ -Qing» تصويراً جليّاً. وفِي الوقتِ نفسِه، ظهرَتْ مجموعةٌ مِنَ الشُّعراءِ الوطنيِّينَ يمثِّلُهم «لِيُو يَازِي -Liu Yazi» و«كِيُو جين -Qiu Jin»، وقد مثَّلَتْ كتاباتُهم، الَّتي كانتْ تدعُو إلى إنقاذِ البلادِ وحمايتِها، اتِّجاهاً جديداً في الأدبِ الصِّينيِّ الحديثِ.
وقدْ نهضَتْ حركةُ الثَّقافةِ الجديدةِ بالأدبِ الصِّينيِّ إلى مرحلةٍ عصريَّةٍ مُتقدِّمةٍ، وهيَ المرحلةُ الَّتي استُبِدَلتْ خلالَها اللُّغةُ الكلاسيكيَّةُ باللُّغةِ الدَّارجةِ في جميعِ مجالاتِ الأدبِ والكتابةِ، وانطلاقاً مِنْ مبادئِ تلكَ الحركةِ خضعَ الأدبُ الصِّينيُّ لتغييراتٍ جذريَّةٍ تهدفُ إلى الإصلاحِ الشَّاملِ فيمَا يتعلَّقُ بالشَّكلِ والأسلوبِ والمحتوَى الأدبيِّ، وإلى نَظْمِ أنماطٍ جديدةٍ مِنَ الشِّعرِ والنَّثرِ والرِّوايةِ والدِّرامَا تختلفُ عنِ الأدبِ التَّقليديِّ، فضلاً عنْ إبداعِ أوِ ابتكارِ أنواعٍ جديدةٍ منْ قصيدةِ النَّثرِ، والتَّقاريرِ الصَّحفيَّةِ (الرِّيبورتاجِ)، ومصنَّفاتِ الأفلامِ الأدبيَّةِ... إلخ. ومنْ أكثرِ مَا يُميِّزُ هذَا الاتِّجاهَ الأدبيَّ الجديدَ أنَّه يُولِي اهتماماً كبيراً بمصيرِ الفردِ والشَّعبِ والأمَّةِ كافَّةً جنباً إلى جنبٍ، معَ احتواءِ الدِّيمقراطيَّةِ الحديثةِ والفكرِ الاشتراكيِّ، وتتناولُ مواضيعُه عادةً الأزماتِ القوميَّةَ، وحياةَ المُثقَّفِينَ، وبؤسَ الفلَّاحِينَ، والمقاومةَ والتَّحريرَ، والكفاحَ المُسلَّحَ، وقد اتَّسمَ الاتِّجاهُ الجديدُ بالتَّواصُلِ القويِّ والفعَّالِ بينَ المُؤلِّفِينَ وقُرَّائِهم، والاستفادةِ الواسعةِ مِنْ أساليبِ الاتِّجاهاتِ الأدبيَّةِ العالميَّةِ الجديدةِ. إنَّ مَا أسهمَ في ظهورِ الأدبِ الصِّينيِّ الحديثِ لمْ يكنْ سِوَى تبنِّي الاتِّجاهاتِ الأجنبيَّةِ وتحديثِ الأساليبِ الأدبيَّةِ التَّقليديَّةِ الصِّينيَّةِ، ويُعدُّ الأدبُ الصِّينيُّ الحديثُ جزءاً جديداً مِنَ الأدبِ العالميِّ الحديثِ. أمَّا مِنْ حيثُ الممارسةُ الأدبيَّةُ، فقدْ أُنتِجَتْ مجموعةٌ مِنَ الأعمالِ الأدبيَّةِ المجيدةِ، وظهرَ أدباءُ حازُوا شهرةً عالميَّةً، مثلُ «لُو شُونَ -Lu Xun» و«غُوُو مُورُوو -Guo Moruo» و«مَاوْ دُون -Mao Dun». وكثيراً مَا يُقالُ: إنَّ «لُو شُونَ -Lu Xun» كانَ حاملَ الرَّايةِ لحركةِ الثَّقافةِ الجديدةِ في الصِّينِ، وشمِلَتْ كتاباتُه روايات: «يَوْمِيَّاتُ مَجْنُونٍ» و«الدَّوَاءُ» و«قصَّةَ آ. كِيُو الْحَقِيقِيَة» و«الْبَرَكَةَ»، إلى جانبِ العديدِ منَ المقالاتِ، وقدْ حظِيتْ كتاباتُه بالثَّراءِ الفكريِّ والفنِّيِّ، ومثَّلتْ أهمَّ الإنجازاتِ الفنِّيَّةِ في الأدبِ الصِّينيِّ الحديثِ، كمَا تركَتْ تأثيراً بالغاً في طوائفِ الشَّعبِ الصِّينيِّ.
وبعدَ تأسيسِ جمهوريَّةِ الصِّينِ الشَّعبيَّةِ في عامِ 1949م، حافظَ الأدبُ الصِّينيُّ علَى الاتِّجاهِ الأدبيِّ الجديدِ الَّذي برزَ معَ بزوغِ حركةِ الرَّابعِ منْ مايُو عامَ 1919م مِنْ ناحيةٍ، ومِنْ ناحيةٍ أخرَى اكتسبَ ملامحَ مُعيَّنةً مِنَ العصرِ الجديدِ، مثلَ تصويرِ الحياةِ الفعليَّةِ للشَّعبِ الصِّينيِّ تصويراً أعمقَ وأدقَّ، أوِ التَّعبيرِ بحماسةٍ عنْ رُوحِه الثَّوريَّةِ في الصِّراعِ المُناهِضِ للإقطاعيِّينَ والإمبرياليَّةِ، أوِ العرضِ التَّفصيليِّ لمظاهرِ الحياةِ العصريَّة في المرحلةِ الاشتراكيَّةِ، كمَا شهدَ إصدارَ العديدِ مِنَ الأعمالِ الأدبيَّةِ القيِّمةِ ذاتِ الصِّلةِ. وفي أثناء ما يُسمَّى بالثَّورةِ الثَّقافيَّةِ مرَّ الأدبُ الصِّينيُّ بحالةٍ مِنَ الرُّكودِ، لكنَّه استعادَ رونقَه في أواخرِ فترةِ السَّبعينيَّاتِ عندَما رفعَتْ مجموعةٌ مِنَ الكُتَّابِ أقلامَها مرَّةً أخرَى، وبعثتِ الرُّوحَ في التَّقاليدِ الواقعيَّةِ الأدبيَّةِ وطوَّرَتْها، واتَّسعَ نطاقُ استعمالِ الأشكالِ والأساليبِ الفنِّيَّةِ في العديدِ مِنَ الأعمالِ الأدبيَّةِ، وتعمَّقَ المحتوَى الأدبيُّ، وعبَّرَ كلُّ ذلِكَ عنْ عصرِ الدَّولةِ المزدهرةِ الجديدةِ. أمَّا بالنِّسبةِ لتايوان وهُونْغ كُونْغ ومَاكَاو، فقدْ تطوَّرَ الأدبُ في تلْكَ المناطقِ باعتبارِه ضرباً مُهمّاً مِنْ ضروبِ الأدبِ الصِّينيِّ، لكنَّه اتَّخذَ مساراً أكثرَ استقلاليَّةً يختلفُ في منهجِه عنْ مسارِ التَّطوُّرِ في البرِّ الرَّئيسِ منذُ تأسيسِ جمهوريَّةِ الصِّينِ الشَّعبيَّةِ في عامِ 1949م، إلَّا أنَّه أسهمَ إسهاماً كبيراً بالمثلِ في تطوُّرِ الأدبِ الصِّينيِّ.
السِّمَاتُ الْأَسَاسِيَّةُ
يتميَّزُ الأدبُ الصِّينيُّ بسماتٍ فريدةٍ تُميِّزُه عنِ الأدبِ الأجنبيِّ، فلَهُ خصائصُهُ اللُّغويَّةُ الخاصَّةُ بِه، ويحملُ في طيَّاتِه أثرَ الفلسفةِ والأخلاقيَّاتِ الصِّينيَّةِ. وباعتبارِ أنَّ الرُّموزَ الصِّينيَّةَ تمثِّلُ أحدَ أقدمِ نُظُمِ الكتابةِ في العالَمِ، فقدْ أسهمَتْ إسهاماً كبيراً في تكوينِ الأدبِ الصِّينيِّ وتطويرِه منْ خلالِ عدَّةِ أمورٍ، أوَّلاً: إنَّ الرُّموزَ الصِّينيَّةَ تميلُ إلى خلقِ نوعٍ مِنَ الارتباطِ بينَها وبينَ مَا يُماثلُها مِنَ الصُّورِ، حيثُ تملكُ خاصِّيَّةَ التَّعبيرِ المعنويِّ، فعلَى سبيلِ المثالِ، يُستخدَمُ في كلٍّ مِنْ نثرِ «فُو -Fu» والنَّثرِ المُوازِي العديدُ مِنَ الرُّموزِ الَّتي تشتركُ في الجزءِ الجذريِّ منهَا، وهذا يُؤدِّي إلى إبرازِ صورٍ جماليَّةٍ فريدةٍ. ثانياً: يشتمِلُ عادةً كلُّ رمزٍ صينيٍّ على معنىً واحدٍ وكذلِكَ على صوتٍ فرديٍّ واحدٍ، وبالتَّالِي يمكنُ أنْ يُضفِيَ على القصيدةِ الصِّينيَّةِ مجموعةً منْ أنواعِ البحورِ الشِّعريَّةِ الفريدةِ، إضافةً إلى تناسُقِ التَّراكيبِ وانسجامِها. ثالثاً: تحتوِي اللُّغةُ الصِّينيَّةُ على أربعِ نغماتٍ يؤدِّي التَّنقُّلُ بينَها إلى إحداثِ إيقاعٍ مُتناغِمٍ. رابعاً: يمكنُ استخدامُ اللُّغةِ الصِّينيَّةِ الكلاسيكيَّةِ أيضاً كلغةٍ خاصَّةٍ بالكتابةِ الرَّسميَّةِ، إلى جانبِ اللُّغةِ الصِّينيَّةِ الحديثةِ في المُؤلَّفاتِ الأدبيَّةِ لينتجَ عنْ ذلِكَ تباينٌ فنِّيٌّ مُمتِعٌ بينَ المحتوَى والتَّصويرِ اللُّغويِّ.
وإلى جانبِ ذلِكَ، تأثَّرَ الأدبُ الصِّينيُّ في شكلِه ومضمونِه بالنِّظامِ الأيديولوجيِّ التَّقليديِّ الصِّينيِّ وخضعَ لسيطرتِه، ويقومُ هذَا النِّظامُ على مبادِئِ المدرسةِ الكُونْفُوشيُوسيَّةِ المُتمثِّلةِ في «كُونْفُوشيُوس -Confucius» و«مِنْسِيُوس -Mencius»، وقد كوّنتِ المدرسةُ الكُونْفُوشيُوسيَّةُ الشَّخصيَّاتِ الوطنيَّةَ والأفكارَ الثَّقافيَّةَ الصِّينيَّةَ بناءً على أربعةِ مبادئَ، يتمثَّلُ المبدأُ الأوَّلُ في الموقفِ الدُّنيويِّ تجاهَ الحياةِ، والَّذي يركِّزُ على فكرةِ بِنَاءِ الذَّاتِ وتَنْظِيمِ الْحَيَاةِ الْأُسَرِيَّةِ ونِظَامِ حُكُومَةِ الدَّوْلَةِ وخَلْقِ عَالَمٍ مُسَالِمٍ، والمبدأُ الثَّانِي هوَ انضباطُ المعيارِ الأخلاقيِّ الذَّاتيِّ منْ خلالِ خمسِ فضائلَ، هي الخيرُ والبرُّ والدَّماثةُ والذَّكاءُ والجدارةُ بالثِّقةِ، والمبدأُ الثَّالثُ هو المعيارُ الأخلاقيُّ الاجتماعيُّ تجاهَ السَّماءِ والأرضِ والحاكمِ والوالدَيْنِ والمُعلِّمِ، بينَما يتمثَّلُ المبدأُ الرَّابعُ في مذهبِ الوسطيَّةِ الَّذي يضبطُ معيارَ الوسطيَّةِ. وبذلِكَ يميلُ الأدبُ الصِّينيُّ، الَّذي تهيمنُ عليْهِ تلك الأفكارُ، إلى فلسفةِ التَّنويرِ معَ التَّركيزِ على معالجةِ المواضيعِ السِّياسيَّةِ والأخلاقيَّةِ، وتسويغ اتِّخاذِ الأدبِ وسيلةً للتَّبعيَّةِ السِّياسيَّةِ والوعظِ. وقدْ أثارَ هذَا الاتِّجاهُ زخماً سياسيّاً مكثَّفاً، وأشعلَ روحَ المغامرةِ والإحساسَ بالمسؤوليَّةِ الاجتماعيَّةِ تجاهَ الأدبِ الصِّينيِّ منْ جهةٍ، ولكنَّه قيَّدَ الرَّغباتِ، وكينونةَ الشَّخصيَّةِ، والتَّنقيبَ عنِ الوعيِ الذَّاتيِّ منْ جهةٍ أخرَى، خاصَّةً أنَّ الفكرةَ الكُونْفُوشيُوسيَّةَ المُتمثِّلةَ في الْحِفَاظِ عَلَى الْقَانُونِ الطَّبيعيِّ وَإِلْغَاءِ الرَّغَبَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ تغطِّي الأدبَ الصِّينيَّ بركامٍ مِنَ الضبابِ العقلانيِّ. وتماشِياً معَ الميزاتِ المذكورةِ، ينتهجُ الأدبُ الصِّينيُّ مذهبَ الوسطيَّةِ الحميدَ، الَّذي يقومُ على الاعتدالِ دونَ الإفراطِ في التَّعبيرِ عنْ مشاعرِ المرءِ. ويُعدُّ الشِّعرُ الصِّينيُّ الكلاسيكيُّ أحدَ الأمثلةِ النَّموذجيَّةِ لهذَا المذهبِ، حيثُ ينطوِي معظمُه على مشاعرَ منضبِطةٍ وأفكارٍ ضمنيَّةٍ، ويدُلُّ هذا على جمودِ الحسِّ العقليِّ.
وفي التَّاريخِ الفكريِّ الصِّينيِّ تُكمِّلُ الكُونْفُوشيُوسيَّةُ والطَّاوِيَّةُ بعضهما، وكثيراً مَا يتداخــلُ الاثنانِ في البوذيَّةِ، كمَا يختلفُ ثلاثتُهم، أوْ حتَّى يُعارِضُ بعضُهم بعضاً، فيمَا يتعلَّقُ ببعضِ وجهاتِ النَّظرِ، لكنَّهم أثَّرُوا في مختلفِ جوانبِ الأدبِ الصِّينيِّ، فقدْ وَرِثتِ المدرسةُ الكُونْفُوشيُوسيَّةُ روحَ رِعَايةِ الآخرِينَ، بينَما طوَّرتِ المدرسةُ الطَّاوِيَّةُ مفهومَ الْكَمَالِ الذَّاتِيِّ تماشِياً معَ مبدئِها الخاصِّ الَّذي ينصُّ علَى الفاعليَّةِ المحضةِ. وتعكسُ هذِه المبادئُ أوِ المفاهيمُ المواقفَ الحياتيَّةَ التَّكميليَّةَ لأولئكَ الأدباءِ والجهاتِ الرَّسميَّةِ في الصِّينِ الإقطاعيَّةِ، ويظهرُ ذلِكَ بوضوحٍ في المُصنَّفاتِ الأدبيَّةِ الصِّينيَّةِ، الَّتي تتراءى تارةً في الهتافِ بنغمةٍ بطوليَّةٍ تنبعُ مِنْ عاطفةٍ حزينةٍ، وتارةً أخرَى في انتقادِ المجتمعِ انتقاداً لاذعاً. إنَّ الكُونْفُوشيُوسيَّةَ، بوجهٍ عامٍّ، تفرضُ نفوذاً يُهيمنُ بدورِه على النَّمطِ العامِّ للأدبِ الصِّينيِّ، ولكنَّ فلسفةَ الطَّاوِيَّةِ مِنْ منظورِ «لاوتسي -Laozi» و«تشُوَانْغ زِي -Zhuangzi» لهَا أثرٌ عظيمٌ بلَا شكٍّ على الأدبِ والفنونِ الصِّينيَّةِ، ويمكنُ تلخيصُه في النُّقطتَيْنِ الآتِيَتَينِ: أوَّلاً: التَّفسيرُ الجدليُّ للفراغِ والامتلاءِ، أوْ وَحْدةُ الأضدادِ: لَهُ دورٌ فاعلٌ في تغييرِ أساليبِ التَّعبيرِ الضِّمنيِّ والمُقتضبِ للأدبِ الصِّينيِّ الَّذي يحيدُ عنِ التَّعبيرِ الصَّريحِ المُفصَّلِ، ويميلُ إلى إحالةِ القارئِ إلى ذوقِه ومعرفتِه ومخيِّلتِه للكشفِ عنِ الألغازِ العجيبةِ الَّتي صاغَها لَهُ في الفراغِ، وبذلِكَ يخلقُ حالةً فنِّيَّةً مِنْ صوتِ الصَّمتِ. ثانياً: استوعبَ الأدباءُ الصِّينيُّونَ فكرةَ البحثِ عنِ الجمالِ الطَّبيعيِّ، وطبَّقُوهَا في سعيِهم الحثيثِ إلى مزجِ الغرابةِ في كتاباتِهم العاديَّةِ وغيرِ الفنِّيَّةِ في جميعِ جوانبِ حياتِهم. وإذَا مَا قارَنَّا الأدبَ الصِّينيَّ بالأدبِ الغربيِّ، يمكنُنَا أنْ نجدَ بوجهٍ عامٍّ اختلافاً جماليّاً واضحاً بينَ الاثنَيْنِ: فالأدبُ الغربيُّ يستعملُ أساليبَ التَّعبيرِ الصَّريحِ غيرِ المُتكلَّفِ، بينَما يتَّسمُ الأدبُ الصِّينيُّ بالعمقِ والتَّعبيرِ الضِّمنيِّ، وإذ يميلُ الأدبُ الغربيُّ إلى الحدَّةِ والعمقِ، فإنَّ الأدبَ الصِّينيَّ يتسربلُ بالجدِّيَّةِ ويستتِرُ بالوصفِ المُترَفِ والأسلوبِ اللَّبقِ، وبينَما يحثُّ الأدبُ الغربيُّ على الإفراطِ في السَّردِ، ينصَبُّ اهتمامُ الأدبِ الصِّينيِّ على التَّركيزِ الهادِفِ.
يميلُ الأدبُ الصِّينيُّ إلى الأسلوبِ التَّعبيريِّ، حيثُ يعيدُ تجميعَ شتاتِ الصُّورِ الواقعيَّةِ المُتناثِرةِ في سبيلِ تحقيقِ غايةٍ مُعيَّنةٍ، ويُمكِنُ تحليل هذا بالنَّظرِ في الأنواعِ والأساليبِ الَّتي تتميَّزُ بهَا الكتابةُ في الأدبِ الصِّينيِّ. أمَّا بالنِّسبةِ للأنواعِ، فإنَّ مناطَ اهتمامِ الأدبِ الصِّينيِّ ينصبُّ علَى الشِّعرِ الغنائيِّ تحديداً، فضلاً عنِ الأعمالِ السَّرديَّةِ الَّتي بدأتْ في حقبةٍ مُتأخِّرةٍ ولمْ تحظَ بمزيدٍ منَ التَّطورِ. وقدْ شهدَ تاريخُ الشِّعرِ الصِّينيِّ قصائدَ غنائيَّةً وفيرةً، ابتداءً بكتابِ «قَانُونِ الْقَصَائِدِ» إلى جانبِ بعضِ الأعمالِ الرِّوائيَّةِ. بَيْدَ أنَّ الرِّوايةَ الصِّينيَّةَ -مع تحسُّنِها- لمْ تحقِّقْ أيَّةَ درجةٍ مِنَ التَّطورِ حتَّى عهدِ أُسرتَي الشَّمالِ والجنوبِ، ولكنَّ سلالةَ «تَانْغَ -Tang» شهدتْ تطوُّرَ الرِّوايَّةِ الصِّينيَّةِ بالمعنَى الحقيقيِّ، وقدْ كانَ ذلك في عهدِ أسرةِ «مينغ -Ming»، عندَما أُصدِرتْ أوَّلُ روايَّةٍ صينيَّةٍ كامِلةٍ. وكانَ هذَا هوَ الحالُ بالنِّسبةِ للدِّرامَا الصِّينيَّةِ، الَّتي شُغِفَ بعضُ المُؤلِّفِينَ المسرحيِّينَ باستعمالِ أسلوبِها الخياليِّ في التَّعبيرِ. أمَّا بالنَّسبةِ إلى أساليبِ الكتابةِ، فإنَّ الأدبَ الصِّينيَّ قدْ علَّقَ أهمِّيَّةً كبيرةً على الكتابةِ الأدبيَّةِ فضلاً عنِ الكتابةِ الواقعيَّةِ، خُذِ الشِّعرَ الكلاسيكيَّ على سبيلِ المثالِ، إذ شملَتْ مواضيعُه السَّفرَ ومشاهدةَ المعالمِ السِّياحيَّةِ وزيارةَ المواقعِ التَّاريخيَّةِ، وهيَ مواضيعُ يمكنُ التَّعبيرُ عنْهَا بطريقةٍ روائيَّةٍ أو وصفيَّةٍ، إلَّا أنَّ أسلوبَ التَّعبيرِ عنهَا اتَّسمَ بعدمِ الوضوحِ في الغالبِ، واعتمدَ على استعمالِ الكثيرِ مِنَ الأساليبِ الرَّمزيَّةِ والتَّلميحيَّةِ والمجازيَّةِ والغِنائيَّةِ، وغالباً مَا يدعُو الشِّعرُ الكلاسيكيُّ إلى أدواتِ الكتابةِ الَّتي تعملُ علَى دَمْجِ الْمَشَاعِرِ مَعَ الطَّبيعةِ، وينصبُّ تركيزُها على انطلاقِ المرءِ بمخيِّلتِه، والتَّعبيرِ عنْ مشاعرِه المكبوتةِ.
وقدْ شكَّلَ النَّقدُ الأدبيُّ الصِّينيُّ القديمُ نظامَه الخاصَّ في مراحلِ تطوُّرِه، وتختلفُ تصنيفاتُه عنَ الأدبِ الغربيِّ، حيثُ يتميَّزُ بالدِّقَّةِ فضلاً عنِ الغموضِ، ويسعَى لإدراكِ رُوحٍ خاصَّةٍ، أو قوَّةٍ، أوْ سحرٍ، أوْ رونقٍ، أو رغبةٍ، أو نشاطٍ، أو أسلوبٍ، أو آليَّةٍ، أو احتماليَّةٍ باستعمالِ الأساليبِ البيانيَّةِ والمجازيَّةِ، مِنَ أجلِ مساعدةِ القُرَّاءِ على الفهمِ مِنْ خلالِ التَّأمُّلِ. وباستمرارِ عمليَّاتِ التَّطوُّرِ والإثراءِ لهذِه التَّصنيفاتِ، أخذَتْ تتداخلُ فيما بينَها إلَى أنِ ارتقَتْ في النِّهايةِ إلى رونقٍ جماليٍّ مُستقلٍّ، يتعلَّقُ بالتَّصنيفاتِ الجماليَّةِ للمأساةِ والكوميديَا والتَّنميقِ والفكاهةِ والدُّعابةِ والمُماثلَةِ، الَّتي يتَّسمُ بهَا الأدبُ الغربيُّ. وعلَى الرَّغمِ مِنْ أنَّ هذِه التَّصنيفاتِ تنبعُ مِنَ النظريَّاتِ الأدبيَّةِ الصِّينيَّةِ القديمةِ، إلَّا أنَّها وجدتِ العديدَ منَ التَّفسيراتِ المُختلِفةِ، يُؤكِّدُ كلٌّ منهَا على التَّناغُمِ والانسجامِ بينَ الموضوعاتِ والأشياءِ، لكنَّ هذِه السِّماتِ العامَّةَ للأدبِ الصِّينيِّ قدْ تغيَّرتْ منذُ حركةِ الرَّابعِ منْ مايُو عامَ 1919م، على سبيلِ المثالِ عندَ تقييمِ الرِّوايةِ والدِّرامَا، تركَّزَ اهتمامُ الأدبِ الحديثِ على تعزيزِ السَّردِ والتَّصويرِ، كمَا تحوَّلتْ هيمنةُ الكُونْفُوشيُوسيَّةِ في الأدبِ الكلاسيكيِّ إلى الدِّيمقراطيَّةِ الحديثةِ والاشتراكيَّةِ، وشهدتِ النظريَّاتُ الأدبيَّةُ ظهورَ العديدِ مِنَ التَّصنيفاتِ والمفاهيمِ الجديدةِ، وطرأَتْ تغييراتٌ كبيرةٌ على تراكيبِ اللُّغةِ الأدبيَّةِ، وقدْ أسهمَ كلُّ ذلِكَ في تشكيلِ الخصائصِ الأدبيَّةِ القوميَّةِ الجديدةِ للأدبِ الصِّينيِّ.
التَّبَادُلُ مع الأَدَبِ الأَجْنَبِيِّ
لكونِ الأدبِ الصِّينيِّ واحداً منْ أقدمِ الفروعِ الأدبيَّةِ في العالمِ، فإنَّه يحتلُّ مكانةً مرموقةً في تاريخِ الأدبِ العالميِّ، كمَا أنَّ لَهُ تأثيراً قويّاً في العالمِ بأسرِه، حيثُ يمتدُّ تأثيرُه مِنَ الشَّرقِ إلى أُورُوبَّا، وينتهِي بِهِ المطافُ أخيراً في أَمِيركَا. ويمكنُ تقسيمُ هذِه العمليَّةِ إلى أربعِ مراحلَ:
بدأتِ المرحلةُ الأولَى في عهدِ سلالةِ «تَانْغ -Tang» الحاكِمةِ، حيثُ أدَّى التَّطوُّرُ السِّياسيُّ والاقتصاديُّ في عهدِها إلى ازدهارِ التَّبادُلاتِ الثَّقافيَّةِ، كما ذاعَ صيتُ الأدبِ الصِّينيِّ، وخاصَّةً الشِّعرَ في الخارجِ، ولا سيَّما في اليَابَانِ المجاورةِ وشبهِ الجزيرةِ الكُوريَّةِ والهِنْدِ والدُّولِ العربيَّةِ وجميعِ دولِ جنوبِ شرقِ آسْيَا، ويُحتَمَلُ أنْ يرجعَ تاريخُ تأثيرِ الأدبِ الصِّينيِّ في اليَابَانِ إلى عهدِ أُسرتَي «تِشين -Qin» و«هَان -Han» الحاكِمتَيْنِ، وقد بلغَ ذروتَه في عهدِ أسرةِ «تَانْغ -Tang» عندَما نالتِ القصائدُ الَّتي كتبَها كلٌّ مِنْ: «لِي بَايْ -Li Bai» و«دُو فُو -Du Fu» و«بَايْ جُوِي -Bai Juyi» و«يُوَان تشِن -Yuan Zhen» إعجابَ اليابانيِّينَ، وخاصَّةً قصائدَ «بَايْ جُوِي -Bai Juyi». ووفقاً للمراجعِ اليابانيَّةِ القديمةِ، فقدِ انتشرَتْ في اليَابَانِ في ذلِكَ الوقتِ: أعمالٌ مُجمعَّةٌ لِـ«بَايْ جُوِي -Bai Juyi» (تتألَّفُ منْ 70 مجلَّداً)، ومجموعةُ «تشَانْغ كينغ -Changqing» لِـ«بَايْ جُوِي -Bai Juyi» (وتتألَّفُ مِنْ 29 مجلَّداً). ولمْ ينحصِرْ مدَى انتشارِ قصائدِ «بَايْ جُوِي» في السَّاحاتِ الأدبيَّةِ في اليَابَانِ فحَسْبُ، بلْ حازَتْ إعجابَ الإمبراطورِ «سَاغَا -Saga»، وراقتْ كذلِكَ لمعظمِ النُّبلاءِ والأدباءِ، ونالتِ استحسانَ المدنيِّينَ أيضاً، خاصَّةً قصيدتَيْ «أُغْنِيةُ الْحُزْنِ الَّذي لَا يَنْتَهِي» و«أُغْنِيةُ بَيْبَا»، إذ حظِيتَا بشهرةٍ واسعةٍ في اليَابَانِ. وبالإضافةِ إلى ذلِكَ، تأثَّرتْ قصَّةُ غِنْخِي لِـ«مُورَاسَاكِي شِيكِيبُو -Murasaki Shikibu» -وهي روايةٌ رومانسيَّةٌ واجبةُ القراءةِ في اليَابَانِ- بقصائدِ «بَايْ جُوِي -Bai Juyi»، وكذلِكَ تأثَّرتْ أقدمُ المقتطفاتِ الشِّعريَّةِ اليابانيَّةِ «مَانْ يُوشُو -Manyoshu» بقصائدِ «مُخْتَارَاتٌ مِنَ الأَدَبِ المَنَقَّحِ»، الَّتي تُعَدُّ أوَّلَ مجموعةٍ مِنَ القصائدِ الصِّينيَّةِ، وقدْ جمعها «شِيَاوْ تُونْغ -Xiao Tong» في عهدِ أسرةِ «لِيَانْغَ -Liang» خلالَ مرحلة حكمِ السُّلالاتِ الجنوبيَّةِ.
وقدْ أُرسلَ «أَبِي نُو نَاكَامَارُو -Abe no Nakamaro» -وهوَ مِنَ الأدباءِ المشهورِينَ في عصرِ نَارَا فِي اليَابَانِ- إلى الصِّينِ ودرسَ فيهَا، وعاشَ في عهدِ أسرةِ «تَانْغ -Tang» لأكثرَ منْ خمسِينَ عاماً، كمَا درسَ الرَّاهبُ اليَابَانيُّ البارزُ «كُوكَاي -Kukai» في الصِّينِ في عهدِ أسرةِ «تَانْغ -Tang» أيضاً، وعندَ عودتِه إلى اليَابَانِ، جلبَ معَه العديدَ مِنَ الكُتبِ الصِّينيَّةِ. وبعدَها، صنَّفَ مؤلَّفَه بعنوانِ «مِرْآةُ قَصْرِ الأَدَبِ السِّرِّيّ»ِ (ويقع في 6 مجلَّداتٍ)، وبذلِكَ وجدتِ الكتاباتُ والنَّظريَّاتُ الأدبيَّةُ الصِّينيَّةُ طريقَها إلى اليَابَانِ.
وتشيرُ المرحلةُ الثَّانيَّةُ إلى المدةِ التي تبدأ بالقرنِ الثَّامنَ عشرَ حينَما امتدَّ تأثيرُ الأدبِ الصِّينيِّ إلى أُورُوبَّا، حيثُ أثارَ كتابُ رحلَاتِ «مَارْكُو بُولُو -Marco Polo» اهتمامَ الغربيِّينَ المعاصِرِينَ بالصِّينِ، كمَا أنَّ للتَّبشيريِّينَ الَّذينَ قدمُوا إلى الصِّينِ دوراً كبيراً في تقديمِ الثَّقافةِ الصِّينيَّةِ الرَّسميَّةِ للغربِ الحديثِ، وقد ساعدُوا في نشرِها إلى أبعدِ الحدودِ. وفي عامِ 1626م، ترجمَ الفرنسيُّ «نِيكُولَاسُ تِرِيجُولْت -Nicolas Trigault» الكلاسيكيَّاتِ الخمسِ إلى اللَّاتينيَّةِ، ونشرَها في مدينةِ «هَانْغتشُو -Hangzhou». وبعدَ ذلِكَ، أنهَى الفرنسيُّ «أَنْطُوَان جُوبِل -Antoine Gaubil» ترجمةَ كتابِ «قانونِ القصائدِ»، وكتابِ «الوثائقِ»، وكتابِ «التَّغيُّراتِ»، وكتابِ «الطُّقوسِ». كما ترجمَ الباحثُ الفرنسيُّ «جُوزِيفُ دِي بِرِيمَارِي -Joseph de Prémare» كتابَ «قانونِ القصائدِ» وكتابَ «التَّاريخِ»، ونشرَهُما في عامِ 1735م في مجلَّةِ تَارِيخِ الصِّينِ الْعَامِّ الصَّادرةِ في بَارِيسَ، وشهدتْ هذِه المرحلةُ تقديمَ الرِّواياتِ الكلاسيكيَّةِ والدِّرامَا والأساطيرِ الصِّينيَّةِ إلى المجتمعِ الأُورُوبِّيِّ. وخلالَ المُدةِ ما بينَ 1732م إلى 1733م، ترجمَ «جُوزِيفُ دِي بِرِيمِيرِي -Joseph de Prémare» الدِّرامَا الشِّعريَّةَ الشَّهيرةَ «يَتِيمُ زَاو» لمؤلِّفِها «جِي جُونْشِيَانْغَ -Ji Junxiang» منْ أُسرةِ «يُوَانَ -Yuan»، كما تُرجِمتْ هذِه الدِّرامَا ونُشِرتْ في إِنْجِلْتِرَا وأَلْمَانْيَا ورُوسْيَا منذُ منتصفِ الثَّلاثينيَّاتِ مِنَ القرنِ الثَّامنَ عشرَ إلى أوائلِ السِّتينيَّاتِ مِنَ القرنِ العشرِينَ، لدرجةِ أنَّ فُولْتِيرَ -مفكِّرَ التَّنويرِ الفرنسيَّ المعروفَ- حوَّلَها إلى درامَا جديدةٍ تُسمَّى «الْيَتِيمَ الصِّينيَّ». وبالإضافةِ إلى ذلِكَ، صدرتْ أوَّلُ نسخةٍ إنجليزيَّةٍ عنِ الرِّوايةِ الصِّينيَّةِ بعنوانِ «حِكايَةُ الْفُرُوسِيَّةِ وَالْحُبِّ» في إِنْجِلْتِرَا عامَ 1761م، وفي عامِ 1781م حاولَ الشَّاعرُ الألمانيُّ «يُوهَان فُولْفغَانْغ فُونْ غُوتَه -Johann Wolfgang von Goethe» تحويلَ مسرحيَّةِ «يَتِيمِ زَاو» إلى مأساةٍ، وفي مطلعِ القرنِ التَّاسعَ عشرَ، قرأَ غُوتَه الرِّوايةَ الصِّينيَّةَ «حِكَايةُ الْفُرُوسِيَّةِ وَالْحُبِّ»، وخلُصَ إلى أنَّ عَصْرَ الأَدَبِ الْعَالَمِيِّ آتٍ عمَّا قَرِيبٍ، ثُمَّ نظمَ غُوتَه ديوانَ القصائدِ بعنوانِ «في الصِّينِ وأَلْمَانْيَا - قَصَائِدُ مُتَنَوِّعَةٌ فِي الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ»، وقدِ استوحَى تلكَ القصائدَ منْ روايتَيْنِ منْ عصرِ أسرةِ «تشينغ -Qing»، كما درسَ غُوتَه الرِّوايَاتِ والأساطيرَ الصِّينيَّةَ، وقارنَها بكتاباتِ الشَّاعرِ الفرنسيِّ «بِييِر جَانْ دِي بِرَانْغِر -Pierre Jean de Béranger» والرِّوائيِّ الإنجليزيِّ «رِيتْشَارْد جُونْسُونَ -Richard Johnson» وكتاباتِه الخاصَّةِ أيضاً، لكنَّ أورُوبَّا بوجهٍ عامٍّ، لمْ تكنْ تعرفُ الكثيرَ عَنِ الأدبِ الصِّينيِّ.
وتشيرُ المرحلةُ الثَّالثةُ إلى الفترةِ الَّتي أثَّرتْ في الأدبِ الأميركيِّ، حيثُ بدأَ الأدبُ الصِّينيُّ في فرضِ تأثيرِه البالغِ في المدّةِ مَا بينَ العَقْدَيْنِ الأوَّلِ والثَّانِي مِنَ القرنِ العشرِينَ، وفي خلالِ ذلكَ، نُشرتْ ترجماتُ القصائدِ الصِّينيَّةِ في الصُّحفِ الأميركيَّةِ وعُنِيَ بمحاكاتِها ونقدِها، وقدْ أُعجِبَ «عِزْرَا بَاونْد -Ezra Pound» -الَّذي يُعدُّ أباً للشِّعرِ الأميركيِّ الحديثِ- بالسِّماتِ الَّتي تتميَّزُ بهَا القصائدُ الشِّعريَّةُ الصِّينيَّةُ مثلِ الضِّمنيَّةِ، والاقتضابِ، والصُّورِ البيانيَّةِ المُميَّزةِ، واندماجِ المشاعرِ اندماجاً تامّاً معَ المحيطِ الطَّبيعيِّ، واستمدَّ منهَا الكثيرَ ممَّا وجدَه مُفيداً للكتابةِ، كمَا اعتبرَ بَاونْدُ أنَّه مِنْ بينِ جميعِ المُؤثِّراتِ الأجنبيَّةِ فإنَّ الْأَدَبَ الصِّينيَّ كَانَ لَهُ الأَثَرُ الأَسَاسِيُّ، وقد خصَّصَ اثنَيْ عشرَ بيتاً في قصيدتِه الطَّويلةِ: «التَّرَانِيمِ» للحديثِ عنِ الصِّينِ. وفي عامِ 1915م، شرَعَ بَاوندُ - مُستعيناً بترجماتِ «إِرْنِسْت فِرَانْسِيسْكُو فِينُولُوسَا -Ernest Francisco Fenollosa» وهوَ باحثٌ أميركيٌّ مستشرقٌ - في فرزِ مُقتطفاتِ الشِّعرِ المُترجَمةِ، ونشرِهَا بعنوانِ «دِيوَانِ الْقَصَائِدِ الصِّينيَّة»، وجمعَ بِهِ 18 قصيدةً صينيَّةً مِنْ كتابِ «قانونِ القصائدِ»، وأغانِي «يُوفُو -Yufu» الشَّعبيَّةِ، و«القصائدِ الثَّمانِيةَ عشرةَ القديمة» الَّتي اشتركَ في نظْمِها «غُو بُو -Guo Pu» و«تَاوْ يُوَانْ مينغ -Tao Yuanming» و«لِي بَاي -Li Bai»، ثُمَّ ترجمَ بعدَهَا العديدَ مِنَ القصائدِ الصِّينيَّةِ الأخرَى ونشرَها.
أمَّا المرحلةُ الرَّابعةُ فبدأَتْ في العصرِ الحديثِ منذُ حركةِ الرَّابعِ منْ مايُو عامَ 1919م، واستمرَّتْ حتَّى الآنَ. في هذِه المرحلةِ، أدَّى التَّبادُلُ السِّياسيُّ والاقتصاديُّ والثَّقافيُّ الشَّامِلُ بينَ الصِّينِ والغربِ إلى تسريعِ عمليَّةِ انتشارِ الأدبِ الصِّينيِّ في الغربِ، فقدْ تُرجِمتْ بعضُ الرِّواياتِ الكلاسيكيَّةِ رفيعةِ المستوَى في الأدبِ الصِّينيِّ منْ جهةٍ، مثلِ «حَافَةُ المَاءِ» و«حُلْمُ الْغُرْفَةِ الْحَمْرَاءِ» إلى اللّغاتِ الأجنبيَّةِ، ومِنْ جهةٍ أخرَى بدأَ المترجمِونَ الأجانبُ في ترجمةِ الأعمالِ الجديدةِ الصَّادرةِ بعدَ حركةِ الرَّابعِ مِنْ مايُو، وتقديمِها إلى شعوبِهم، ومِنْ مؤلِّفِي هذِه الأعمالِ الأدبيَّةِ «لُو شُون -Lu Xun» و«جُوو مُورُوو -Guo Moruo» و«مَاوْ دُون -Mao Dun» و«بَا جين -Ba Jin» و«لَاوْ شِه -Lao She» وغيرُهم مِنَ الكُتَّابِ، حيثُ تُرجِمتْ أعمالُ «لُو شُونَ -Lu Xun» في أكثرَ مِنْ 40 دولةً وإلى مايزيد على 70 لغةً، ونُشرَت في اليَابَانِ خمسةُ إصداراتٍ مِنْ «قصَّةُ آ. كِيُو الْحَقِيقِيَّةُ» عندما كانَ «لُو شُونَ -Lu Xun» على قيدِ الحياةِ، ونُشرَت عشرةُ إصداراتٍ جديدةٍ بعدَ مماتِه. وبعدَ تقديمِ: «قصَّةُ آ. كِيُو الْحَقِيقِيَّةُ» إلى الغربِ، أشادَ بهَا الكاتبُ الفرنسيُّ «رُومَانُ رُولَانْد -Romain Rolland»، وفي ضوءِ الانتشارِ الواسعِ للأدبِ الصِّينيِّ في العالمِ، ازدادَ إدراكُ العالمِ لمكانتِه، كمَا أقدمَ الأدباءُ مِنْ جميعِ بقاعِ الأرضِ على تقييمِ الأدبِ الصِّينيِّ تقييماً علميّاً شاملاً.
وكما أثَّرَ الأدبُ الصِّينيُّ في أدبِ الدُّولِ الأجنبيَّةِ، فإنَّه في الوقتِ نفسِه قدْ تأثَّرَ به على الدَّوامِ، ويتمثَّلُ أوَّلُ تأثيرٍ أجنبيٍّ بارزٍ خضعَ لَه الأدبُ الصِّينيُّ في امتصاصِ الثَّقافةِ البوذيَّةِ الَّتي انتقلتِ إلى الصِّينِ منذُ أسرةِ «هَانَ -Han» الشَّرقيَّةِ حتَّى أسرتَي «تَانْغَ -Tang» و«سُونْغ -Song»، كمَا بدأتْ ترجمةُ الكتبِ المُقدَّسةِ البوذيَّةِ إلى اللُّغةِ الصِّينيَّةِ في السَّنواتِ الأخيرةِ لأسرةِ «هَان -Han» الشَّرقيَّةِ بمساعدةِ «آنْ شِيغَاو -An Shigao»، وشهدَتْ مزيداً مِنَ التَّطورِ خلالَ عهدِ أسرتَي «وِي -Wei» و«جين -Jin» والْأُسْرَةِ الْجَنُوبِيَّةِ والأُسْرَةِ الشَّماليَّةِ، وبلغتْ ذروتَها في عهدِ أسرةِ «تَانْغَ -Tang»، ثُمَّ بدأتْ في الانحدارِ في عهدِ أسرةِ «سُونْغَ -Song» الشَّماليَّةِ. وتتَّسمُ العديدُ مِنَ الكلاسيكيَّاتِ البوذيَّةِ المُترجَمَةِ مِنَ اللُّغةِ السِّنسكريتيَّةِ بأسلوبِها الأدبيِّ القويِّ، ومنهَا: «الكُتُبُ المُقَدَّسَةُ لملِكِ «تشيلُو -Zheluo» وحَيَاةُ «بُودِيسَاتَفَا أَسْفَاغُوزَا -Bodhisattva Asvaghosa» التي تعدُّ منَ بينِ الأعمالِ الخالدةِ في المناهجِ الهنديَّةِ السِّتَّةِ الموجودةِ في «السُّوتْرَا -Sutra»، ويُعدُّ كتابا «حياةُ بُوذَا» و«السِّيرَةُ الذَّاتِيَّةُ لِـ«نَانْدَا -Nanda» للفيلسوفِ «أَسْفَاغُوزَا -Asvaghosa» قصيدتَيْنِ رِوائيَّتَيْنِ طويلتَيْنِ»، وتعدُّ الملحمةُ الشِّعريَّةُ «رَامَايَانَا -Ramayana» مِنَ الملاحمِ الهنديَّةِ الَّتي انتقلت إلى الصِّينِ باعتبارِها من الأعمالِ البوذيَّةِ الكلاسيكيَّةِ، إلى جانبِ نشرِ الكُتبِ المُقدَّسةِ البوذيَّةِ، ومن الجديرِ بالذِّكرِ أنَّ جميعَ الأفكارِ والأقوالِ والقصصِ، وحتَّى المقاطعِ الكتابيَّةِ في النُّصوصِ البوذيَّةِ قد فرضتْ تأثيراً كبيراً في الصِّين، حيثُ استحدَثَتْ مفاهيمَ جديدةً وآفاقاً وتعبيراتٍ جديدةً في الأدبِ الصِّينيِّ. وإنَّ نشرَ الكُتبِ المُقدَّسةِ البوذيَّةِ في المجتمعِ الصِّينيِّ كانَ العاملَ الرَّئيسَ في ترويجِ القصصِ الأُسطوريَّةِ لأُسرِ «وِي -Wei» و«جين -Jin» والشَّمالِ والجنوبِ، والقصصِ القصيرةِ لأسرةِ «تَانْغَ -Tang» والمسرحيَّاتِ الشِّعريَّةِ لأسرةِ «يُوَانَ -Yuan». وعلاوةً علَى ذلِكَ، فإنَّ استحداثَ قصصِ التَّحوُّلِ (وهوَ نوعٌ شائعٌ مِنَ الأدبِ الرِّوائيِّ المُزدهِرِ في عهدِ أسرةِ «تَانْغَ -Tang»، تتخلَّلُه أجزاءٌ نثريَّةٌ وكلامٌ مُقفّىً للقراءةِ والغناءِ، غالباً مَا يشملُ موضوعاتٍ بوذيَّةً) وتطوُّرَهَا في عهدِ أسرةِ «تَانْغَ -Tang» ارتبطَ أيضاً بالبوذيَّةِ، كمَا أدَّى التَّدفُّقُ الهائلُ للمفرداتِ البوذيَّةِ إلى إحداثِ تغييراتٍ مُعيَّنةٍ في الأدبِ الصِّينيِّ مِنْ حيثُ القواعدُ والصِّياغةُ والتَّعبيرُ، على سبيلِ المثالِ: استحداثُ أربعِ نغماتٍ في اللُّغةِ الصِّينيَّةِ إضافةً إلى نظامِ الصَّوتيَّاتِ لِـ«فَانْكِي -fanqie» (يمثِّلُ الطَّريقةَ التَّقليديَّةَ للإشارةِ إلــى النُّطقِ الصَّحيحِ للرُّموزِ الصِّينيَّةِ باستخدامِ رمزَيْنِ آخرَين). وإلى جانبِ ذلِكَ، فإنَّ سماتِ الأسلوبِ البوذيِّ الكلاسيكيِّ، الَّتي تشملُ عدمَ استخدامِ أيٍّ مِنَ الكلماتِ المهجورةِ أوِ المُنمَّقةِ، واستبدالَ ذلِكَ باستخدامِ المزيدِ مِنَ الجملِ المقلوبةِ، والجملِ الدَّاعِمةِ، والمزيدَ مِنَ التَّفسيراتِ في الفقراتِ، والجمعَ بينَ النَّثرِ والشِّعرِ في الكتابةِ وغيرها، قدْ أثَّرتْ جميعُها في أسلوبِ الأدبِ الصِّينيِّ تأثيراً كبيراً. وقدْ بلغَ تأثيرُ الأدبِ الأجنبيِّ في الأدبِ الصِّينيِّ ذروتَه بعدَ حربِ الأفيونِ، وخاصَّةً منذُ نهايَّة القرنِ التَّاسعَ عشرَ، حيثُ تسبَّبَ تدفُّقُ النَّظريَّاتِ السِّياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ والثَّقافيَّةِ الأجنبيَّةِ بدعوةِ مُمثِّلِي الإصلاحيِّينَ إلى تبنِّي الرِّواياتِ السِّياسيَّةِ، كمَا بذلَ بعضُ المُترجِمِينَ قصارَى جهدِهِم لتقديمِ الرِّواياتِ الأجنبيَّةِ إلى الشَّعبِ الصِّينيِّ. ولمْ يحدُثْ قبلَ عامِ 1911م في أواخرِ عهدِ أسرةِ «تشينغ -Qing» أنْ تُرجِمَتْ حواليْ 400 روايَّةٍ أجنبيَّةٍ ونُشِرتْ. وقبلَ اندلاعِ ثورةِ 1911م بثلاثين عاماً وبعدَها، ترجمَ المُترجِمُ الشَّهيرُ «لِينْ شُو -Lin Shu» بالتَّعاوُنِ معَ آخرِينَ أكثرَ مِنْ 180 روايَّةً أجنبيَّةً صادرةً في إِنجِلتِرَا والولاياتِ المُتَّحِدَةِ وفَرَنسَا ورُوسيَا واليَابَانِ وإِسبَانيَا وبِلجِيكَا وَالنِّرْوِيجِ واليُونَانِ وغيرِها، يبلغُ عددُ الرُّموزِ الصِّينيَّةِ فيهَا حواليْ 12 مليونَ رمزٍ، بلغَ إنتاجُ هذَا النَّوعِ مِنَ التَّرجمةِ ذروتَه قبلَ حركةِ الرَّابعِ منْ مايُو وبعدَها، حيثُ تُرجِمتْ أعمالُ جميعِ الكُتَّابِ المعروفِينَ في العالمِ إلى الصِّينيَّةِ، وكانَ ذلِكَ هوَ العاملَ الوحيدَ لتوسيعِ أُفقِ الأدبِ الصِّينيِّ والتَّأثيرِ فيْهِ مِنْ حيثُ المحتوَى الفكريُّ والأشكالُ الفنِّيَّةُ. ساهمَت حماسةُ الأدباءِ الصِّينيِّينَ العصريِّينَ للانفتاحِ على الأدبِ العالميِّ في ازدهارِ الأدبِ الصِّينيِّ في العصرِ الحديثِ. واستمر التَّأثيرُ في القرنِ العشرِينَ، حتَّى اشتعالِ الثَّورةِ الثَّقافيَّةِ الَّتي قضَتْ على جميعِ أنواعِ التَّبادُلِ الأجنبيِّ، ولكنْ بعدَ عامِ 1976م، استأنفَ الأدبُ الصِّينيُّ حركتَه الانفتاحيَّةَ، وسُرعانَ مَا وصلَ إلى ذروةٍ جديدةٍ، وامتزجَ بالمفاهيمِ والأعمالِ الأدبيَّةِ العالميَّةِ الجديدةِ في القرنِ العشرِينَ، وبمَا أنَّ الأدبَ الصِّينيَّ قدْ حقَّقَ نجاحاً كبيراً، واكتسبَ خبرةً ثريَّةً خلال تطوُّرِه علَى مدَى آلافِ السِّنين، فمِنَ المُؤَكَّدِ أنَّه -وبالاستفادةِ القُصوَى منَ الأعمالِ الأدبيَّةِ العالميَّةِ المُتميِّزةِ، وأيضاً بالتَّطورِ الشَّاملِ للمجتمعِ الصِّينيِّ- سيحرزُ مزيداً مِنَ التَّقدُّمِ، وسيعزِّزُ إسهامَاته في إثراءِ الأدبِ العالميِّ.