الاختِرَاعَاتُ الأَربعَةُ الكُبرَىFour Great Inventions

في الصِّينِ القديمةِ كانتْ هناكَ أربعُة اختراعاتٍ عظيمةٍ، هيَ صناعةُ الورقِ، والطِّباعةُ، والبُوصلةُ، والبارودُ. وبوصفِها رمزاً للعلومِ والتِّكنولوجيَا المُتقدِّمَةِ في الصِّينِ القديمةِ، أثَّرتْ هذِه الاختراعاتُ الأربعةُ بشكلٍ كبيرٍ في تطوُّرِ الحضارةِ في جميعِ أنحاءِ العالَمِ.

صِنَاعَةُ الوَرَقِ

لَوحَةٌ تُصَوِّرُ صِنَاعَةَ الوَرَقِ يدويّاً فِي الصِّينِ القَدِيمَةِ

لقدْ بدأَ الصِّينيُّونَ القدماءُ في وقتٍ مُبكِّرٍ من فترةِ الرَّبيعِ والخريفِ وعصرِ الممالكِ المُتحارِبةِ، في الكتابةِ على شرائطِ الخيزُرانِ والأقمشةِ المصنوعةِ مِنَ الحريرِ، ولأنَّ مخطوطاتِ الخيزُرانِ كانتْ ثقيلةَ الوزنِ، والملابسَ المصنوعةَ مِنَ الحريرِ باهظةُ الثّمنِ بحيثُ لا يمكنُ استخدامُهَا على نطاقٍ واسعٍ، لذلك لم تُستخدَمْ موادُّ الكتابةِ علَى نطاقٍ واسعٍ، الأمرُ الَّذي تسبَّبَ في إعاقةِ عمليَّةِ التَّطوُّرِ الثَّقافيِّ في نهايةِ المطافِ، وفي عهدِ أسرةِ «هَان -Han» الغربيَّةِ برزَ أحدُ أنواعِ الورقِ المصنوعِ مِنَ الحريرِ والقطنِ والقُنَّبِ باعتبارِه أقدمَ ورقٍ في العالَمِ، بَيْدَ أنَّ الأمرَ كانَ صعباً للغايةِ علَى أرضِ الواقعِ. وفي عامِ 105م، قامَ «تِسَاي لُون -Cai Lun»، المُوظَّفُ بالبلاطِ الإمبراطوريِّ لأسرةِ «هَان -Han» الشَّرقيَّةِ، بتحسينِ تِكنولوجيَا صناعةِ الورقِ، وابتكرَ ورقةَ الأليافِ النَّباتيَّةِ باستخدامِ التُّوتِ، وغيرِها مِنْ الأليافِ اللحائيَّةِ إلى جانبِ شِبَاكِ الصَّيدِ والخِرقِ القديمةِ ونُفاياتِ القُنَّبِ، وسرعانَ مَا تمَّ تعميمُ هذَا النَّوعِ مِنَ الورقِ بسببِ موادِّهِ رخيصةِ الثَّمنِ، والَّتي يسهلُ الحصولُ عليهَا، وقدِ انتشرَتْ بعد ذلك صناعةُ الورقِ في كُوريَا، واليَابَانِ، والدُّولِ العربيَّةِ، وغيرِها، فأسهمَ ذلك في تقدُّمِ الحضارةِ العالَميَّةِ.

الطِّبَاعَةُ

أوجدَ إنتاجُ الورقِ بكمِّيَّاتٍ كبيرةٍ ظروفاً مواتيةً للطِّباعةِ، فقبلَ ابتكارِ الطِّباعةِ بالقوالبِ في عهدِ أسرةِ «تَانْغ -Tang» كانتِ الكتبُ تُنسَخُ في الغالبِ باليدِ، وهذِهِ العمليَّةُ تستهلِكُ وقتاً طويلاً وعمالةً كثيرةً، وكانتْ عرضةً لارتكابِ الأخطاءِ، لذلكَ قَلَّ عددُ الكتبِ المطبوعةِ. في أسلوبِ الطِّباعةِ بالقوالبِ، كانَ النَّحَّاتُونَ ينقشُونَ الحروفَ الصِّينيَّةَ المكتوبةَ علَى ورقِ المناديلِ الَّتي كانتْ تُلصَقُ بإحكامٍ علَى لوحةِ الخشبِ للطِّباعةِ، وقدْ بدَا جَليّاً أنَّ هذَا الأسلوبَ أفضلُ مِنَ النَّسْخِ اليدويِّ، وفي عهدِ أُسرةِ «سُونْغ -Song» الشَّماليَّةِ ابتكرَ مُواطنٌ اسمُه «بِي شِنْغ -Bi Sheng» أسلوبَ طباعةٍ مُتحرِّكاً، حيثُ نَقَشَ الحروفَ الصِّينيَّةَ علَى أختامٍ طينيَّةٍ صغيرةٍ، ثُمَّ وضعَ هذِه الأختامَ علَى لوحةٍ فولاذيَّةٍ للطِّباعةِ، يمكنُ أنْ تتراكبَ الأختامُ الَّتي تحتوِي على الحروفِ بمرونةٍ وفقاً للمحتوَى، وبالتَّالِي تختصِرُ الوقتَ والجهدَ، وفي وقتٍ لاحِقٍ اختُرِعَ في الصِّينِ أسلوبٌ منقولٌ مِنَ الطِّباعةِ بالخزفِ والخشبِ والنُّحاسِ. لقدْ عزَّزتِ الطِّباعةُ المنقولةُ في الصِّينِ تطوُّرَ وانتشارَ الحضارةِ البشريَّةِ كثيراً.

البُوصَلَةُ

في وقتٍ مُبَكِّرٍ منْ عصر الممالكِ المُتحارِبةِ، اخترعَ الصينيُّونَ القدماءُ جهازاً لتحديدِ الاتِّجاهاتِ يُدعَى «سِينَان -Sinan» باللُّغةِ الصِّينيَّةِ (معناهُ: المِلعَقةُ المُتَّجهةُ جنوباً)، وفي عهدِ أسرةِ «سُونْغ -Song» الشَّماليَّةِ، ومعَ تطوُّرِ العلمِ اختُرِعتْ أوَّلُ بُوصلَةٍ في العالَمِ، وكانتِ البوصلَةُ تُستخدَمُ على نطاقٍ واسعٍ مِنْ قبلِ أسرةِ «سُونْغ -Song» الجنوبيَّةِ في الملاحةِ البحريَّةِ، وقدْ عزَّزَ اختراعُ البوصلَةِ تطويرَ النَّقلِ البحريِّ، والتبادُلَ الاقتصادِيَّ والثّقافي العالميَّ والثَّقافةَ أيضاً.

آلَةُ سِينَان أوِ المِلْعَقَةُ الْمتَّجِهَةُ جَنَوباً

البَارُودُ

كانَ أوَّلُ ظهورٍ للبارودِ -المعروفِ أيضاً باسمِ المسحوقِ الأسودِ في علمِ الكيمياءِ القديمةِ- في الصِّينِ القديمةِ، ففي القرنِ التَّاسعِ اكتشفَ الكيميائيُّونَ بمحضِ الصُّدفةِ، وخلالَ بحثِهم عــنْ إكسيرِ الخـلـودِ، أنَّ خليطَ الكِبْريــتِ والفحمِ والملحِ الصَّخريِّ يـمـكـنُ أنْ يشتعلَ وينفجرَ. وفـي عهدِ أسرةِ «تَانْغ -Tang» لاحقاً استُخدِمَ البارودُ في الحروبِ، وفي عهدِ أُسَرِ «سُونْغ -Song» و«يُوَان -Yuan» و«مِينْغ -Ming»، كانتِ القُوَّاتُ تُجهَّزُ بمجموعةٍ مُتنوِّعةٍ مِنَ الأسلحةِ الَّتي تستخدمُ البارودَ.

مِدْفَعٌ مِنَ البرُونْزِ مَصْنُوعٌ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ من حُكْمِ «تشيشُوَان -Zhishun»، من أُسْرَةِ «يُوَان -Yuan»