الرِّيَاضةُ والرِّعايَةُ الصِّحِّيَّةُ والتَّعْلِيمُ

الرِّيَاضَةُSports

سارعتِ الصِّينُ إلى تبنِّي الرِّياضةِ في مهدِها، كغيرِها مِن الحضاراتِ القديمةِ الأخرى، وقدِ اشتهرتِ الأمَّةُ الصِّينيَّةُ بتنوُّعِ أنشطتِها الرِّياضيَّةِ وثرائِها على الصعيدَين الشَّعبيِّ والقوميِّ. بيدَ أنَّ هَذا النُّموَّ قدْ تباطأ في عصرِها الحديثِ (1840م - 1949م)، حيثُ ظلَّت الرِّياضةُ الصِّينيَّةِ تعانِي مِن تدنِّي مستوَى التَّطويرِ الرِّياضيِّ، وقلَّةِ المَرافِقِ الرِّياضيَّةِ المُتاحةِ.

كان تأسيسُ جمهوريَّةِ الصِّينِ الشَّعبيَّةِ إيذاناً ببدايةِ مرحلةٍ رياضيَّةٍ جديدةٍ، حيثُ سعى نظامُها الاشتراكيُّ إلى توفيرِ أماكنَ شاسعةٍ لممارسةِ الألعابِ الرِّياضةِ والتَّمارينِ البدنيَّةِ، ما ساعد في تحسينِ صحَّةِ سكَّانِها كثيفِي العددِ. وترتَّب على ذلِك أنْ شهدتْ كلٌّ مِن الرِّياضاتِ الجماعيَّةِ والرِّياضاتِ التَّنافسيَّةِ تنميةً شامِلةً، مَا أحدثَ قفزةً سريعةً في تطوُّرِ المعاييرِ الرِّياضيَّةِ وعزَّز دورَ الرِّياضةِ كأحدِ أهمِّ عواملِ التَّنميةِ الاشتراكيَّةِ المساعدةِ على تحسينِ الصِّحَّةِ العامةِ. وفي القرنِ الحادي والعِشرين، اغتنمتِ الصِّينُ فرصةَ استضافةِ دورةِ الألعابِ الأولمبيَّةِ الصَّيفيَّةِ لعام 2008م في بِكِينَ لتسهيلِ عمليَّةِ التَّنميةِ الشَّاملةِ المُتكامِلةِ لجميعِ مشاريعِها الرِّياضيَّةِ، فدَشَّنَتْ بذلِك حقبةً جديدةً في مسيرةِ التَّطوُّرِ الرِّياضيِّ. وقدْ قطعتِ الصِّينُ شوطاً مهمًّا على مسارِ التَّحوُّلِ مِن دولةٍ كثيفةِ السُّكَّانِ إلى أمَّةٍ قويَّةٍ في عالمِ الرِّياضةِ، فقدْ حقَّقتْ، خلالَ السَّنواتِ الخمسِين الأخيرةِ، إنجازاتٍ مُذهِلةً في المجالِ الرِّياضيِّ، وخاصَّةً في الجوانبِ الآتيةِ:

تمكَّنَ أكثرُ مِن 1.1 مليارِ شخصٍ مِن استيفاءِ المعاييرِ الوطنيَّةِ لممارسةِ الرِّياضةِ البدنيَّةِ، بفضلِ ما حقَّقتْهُ التَّنميةُ المُتكامِلةُ مُتعدِّدةُ المُستوَياتِ في مجالِ الرِّياضةِ الجماعيَّةِ، كما نظَّمتِ اللِّجانُ الرِّياضيَّةُ 40 ألفَ لعبةٍ على الصَّعيدِ الإقليميِّ والدَّوليِّ.

وقدْ شهد مستوَى الأداءِ الرِّياضيِّ وثبةً هائلةً إلى جانبِ تسجيلِ إنجازاتٍ تاريخيَّةٍ في العديدِ مِن المُناسَباتِ، ففي عام 1956م، حطَّم الرِّياضيُّ الصِّينيُّ «تشِين جِينْغَكَايْ -Chen Jingkai» الرَّقمَ القياسيَّ العالميَّ ليفوزَ بلقبِ أوَّلِ صينيٍّ يسجِّلُ رقماً عالميًّا جديداً في حركةِ الخطفِ ضمنَ فئةِ وزنِ الدِّيكِ في منافساتِ رفعِ الأثقالِ. وفي عام 1959م، تصدَّر «رُونْغ غُوتَانْ -Rong Guotuan» قائمةَ أبطالِ العالمِ لفرديِّ الرِّجالِ في بطولةِ كأسِ العالمِ لكرةِ الطَّاولةِ رقم 25، ليصبحَ أوَّلَ لاعبٍ صينيٍّ يُتوَّجُ بلقبِ بطولةِ العالمِ. وفي عام 1984م، فاز اللَّاعبُ «شُو هَايْ فِنْغ -Xu Haifeng» بأوَّلِ ميداليةٍ ذهبيَّةٍ أولمبيَّةٍ للصِّينِ في دورةِ الألعابِ الأولمبيَّةِ الثَّالثةِ والعشرِين في «لُوس أَنْجِلُوس -Los Angeles». وفي عام 2000م، فازتِ الصِّينُ بثمانٍ وعشرِين ميداليةً ذهبيَّةً في دورةِ الألعابِ الأولمبيَّةِ السَّابعةِ والعشرِين في «سِيدْنِي -Sydney»، لتحلَّ في المرتبةِ الثَّالثةِ بعدَ الولاياتِ المتَّحدَةِ وروسيا. وفي عام 2004م، حصد الفريقُ الصِّينيُّ ثمانياً وثلاثِين ميداليةً ذهبيَّةً في دورةِ الألعابِ الأولمبيَّةِ الثَّامنةِ والعشرِين في «أَثِينَا -Athens»، وحلَّ في المركزِ الثَّاني بعدَ الولاياتِ المتَّحِدةِ فقطْ. وفي عام 2008م، تصدَّرتِ الصِّينُ جدولَ الميدالياتِ الذَّهبيَّةِ في دورةِ الألعابِ الأولمبيَّةِ التَّاسعةِ والعشرِين في بِكِينَ، حيثُ أحرزتْ 51 ميداليةً ذهبيَّةً، لتتفوَّقَ ب 15 ميداليةً ذهبيَّةً على الولاياتِ المُتَّحِدةِ الَّتي جاءت في المركزِ الثَّاني، واختتمتْ فعالياتِ الدَّورةِ بإحرازِ ثاني أكبرِ عددٍ مِن الميدالياتِ، ليبلغَ إجماليُّ الميدالياتِ 100 ميداليةٍ، وهُو ما يقلُّ عنِ الولاياتِ المُتَّحِدةِ بعشْرِ ميدالياتٍ فقطْ). وفي دورةِ الألعابِ الأولمبيَّةِ الثَّلاثِين المُقامَةِ في لَنْدَن عام 2012م، فاز الفريقُ الصِّينيُّ بـ 38 ميداليةً ذهبيَّةً و27 ميداليةً فضيَّةً و23 ميداليةً برونزيَّةً، واحتلَّ المركزَ الثَّاني في الميدالياتِ الذَّهبيَّةِ وإجماليِّ الميدالياتِ.

كما انصبّ مزيدٌ مِن الاهتمامِ والدَّعمِ على الرِّياضاتِ الخاصَّةِ بالأقليَّاتِ العِرقيَّةِ والمُعوَّقِين جسديًّا وكبارِ السنِّ، وغيرِهم. وتمارسُ الأقليَّاتُ العِرقيَّةُ في الصِّينِ، والَّتي يبلغُ عددُها حاليًّا 55 أقلِّيَّةً، ما يزيدُ على 100 نوعٍ مِن أنواعِ الرِّياضةِ التَّقليديَّةِ. وتسارعتْ كذلِك وتيرةُ التَّطوُّرِ في المشاريعِ الرِّياضيَّةِ للمُعوّقِين جسديًّا، كما يتَّضحُ مِن النَّتائجِ المُذهِلةِ الَّتي حقَّقها الرِّياضيُّون الصِّينيُّون المُعوّقُون جسديًّا في العديدِ مِن الألعابِ الأولمبيَّةِ المُخصَّصةِ للمُعوّقِين (البارالمبيَّةِ)، وفي الوقتِ نفسِه، عزَّزتِ الصِّينُ مجموعةً مُتنوِّعةً مِن الألعابِ الرِّياضيَّةِ لكبارِ السِّنِّ، وهو ما شجَّع أكثرَ مِن 10 ملايين مُسِنٍّ على ممارسةِ التَّمارينِ بانتظامٍ، وأدَّى إلى إثراءِ حياتِهم وتحسينِ صحَّتِهم..

وبفضل التَّطويرِ الشَّامِلِ في صناعةِ الرِّياضةِ ومشاريعِها المُتعدِّدةِ، لا ينحصرُ ازدهارُ الرِّياضةِ في سرعةِ التَّقدُّمِ الَّذي أحرزتْه الصِّينُ في العديدِ مِن المجالاتِ مثلِ التَّربيةِ البدنيَّةِ الجماعيَّةِ والرِّياضةِ التَّنافسيَّةِ والتَّبادُلاتِ الرِّياضيَّةِ الدَّوليَّةِ فحسبْ، بلْ يتعدَّى إلى تطويرِ الأكاديميَّاتِ والمرافقِ الرِّياضيَّةِ، والدِّراساتِ الرِّياضيَّةِ البدنيَّةِ، وتعزيزِ الوعيِ الرِّياضيِّ العام، والصِّناعاتِ الرِّياضيَّةِ المُتعدِّدةِ.

الصِّحَّةُ والنَّظَافَةُ الشَّخصِيَّةُHealth and Hygiene

قبلَ تأسيسِ جمهوريَّةِ الصِّينِ الشَّعبيَّةِ، لمْ تكنْ هذِه البقعةُ القديمةُ منبتاً خصباً للعنايةِ بالصِّحَّةِ والنَّظافةِ الشَّخصيَّةِ، إذ لم يتوافرْ سوى عددٍ قليلٍ مِن مُقدِّمِي خدماتِ الرِّعايةِ الطِّبِّيَّةِ والصِّحِّيَّةِ، بالإضافةِ إلى النَّقصِ الحادِّ في عددِ المِهنيِّين الطِّبِّيِّين، ورداءةِ المرافقِ الصِّحِّيَّةِ ومرافقِ الصَّرفِ الصِّحِّيِّ، وتفشِّي الأمراضِ المُعدِيةِ بكافَّةِ أنواعِها على نطاقٍ واسعٍ وباستمرارٍ. وبينَما شهدتْ دراسةُ الطِّبِّ في الغربِ بعضَ التَّطوُّرِ، لمْ يرتقِ مُستوَى التَّعليمِ الطِّبِّيِّ التَّقليديِّ في الصِّينِ إلى درجةِ التَّعليمِ النِّظاميِّ، كما كانتْ صناعةُ الدَّواءِ ضعيفةً للغايةِ، فاقتصر دورُ معظمِ مصانعِ الأدويةِ على التَّوزيعِ أو معالجةِ الأدويةِ الخامِّ أو الأعشابِ الطَّبيعيَّةِ، ولمْ يتمكنْ مِن تحضيرِ الأدويةِ المُسجَّلةِ ببراءاتِ اختراعٍ أو اللِّقاحاتِ أو التَّركيباتِ الجديدةِ سوى قلَّةٍ قليلةٍ بينَ تلْك المصانعِ. وبحلولِ عام 1947م، أُنشئتِ الإداراتُ الصِّحِّيَّةُ في المدنِ الخمسِ الَّتي تخضعُ لإشرافِ الحكومةِ المركزيَّةِ فقطْ وشملتْ 26 مُقاطَعةً، وبلغ عددُ مراكزِ الصِّحَّةِ والعياداتِ العامةِ على مُستوَى جميعِ المُقاطَعاتِ ما يزيدُ قليلاً عَلى 1,400 مركزٍ وعيادةٍ. وفي عام 1949م، لمْ يكنْ لدَى الصِّينِ سوَى 3,670 مركزاً للرِّعايةِ الصِّحِّيَّةِ وخدماتِ المَرافِقِ الصِّحِّيَّةِ، وبلغ عددُ العاملِين الفنِّيِّن 505 آلاف شخصٍ، وعددُ الأَسِرَّةِ 80 ألفِ سريرٍ في جميعِ المُستشفياتِ.

شهدتِ الصِّينُ، منذُ قيامِ جمهوريَّةِ الصِّينِ الشَّعبيَّةِ، وخاصَّةً منذُ عام 1978م، نموًّا سريعاً، وحقَّقتْ إنجازاتٍ مهمَّةً في مجالِ الصِّحَّةِ العامةِ، لا سيَّما في الجوانبِ الآتيةِ:

اكتملتْ شبكةُ الرِّعايةِ الصِّحِّيَّةِ ثلاثيَّةِ المُستوياتِ، وشملتِ المناطقَ الحضريَّةَ والرِّيفيَّةَ، وتألَّفتْ مِن مؤسساتِ الخدماتِ الطِّبِّيَّةِ والوقايةِ مِنَ الأمراضِ والعنايةِ بالصِّحَّةِ على مُختلَفِ المُستوياتِ، وقدَّمتْ خدماتِها مِن خلالِ التَّعاونِ المُشترَكِ وتقسيمِ العملِ تقسيماً واضحاً. وبحلولِ عام 2013م، ارتفع عددُ الكياناتِ الطِّبِّيَّةِ إلى ما يقاربُ 790,000 كيانٍ، وتجاوز عددُ موظَّفيها 7.18 ملايين، وكان عددهم 3.106 ملايين في عام 1978م، وازداد عددُ الأطباءِ بينهم مِن 1.033 مليونٍ في عام 1978م إلى 2.79 مليون، ونما عددُ المُمرِّضاتِ مِن 407.000 آلافِ ممرضةٍ في عام 1978م إلى 2.78 مليون. وفي تلْك الأثناءِ، ارتفع عددُ الأَسِرَّةِ في هذِه الكياناتِ مِن 2.042 مليون في عام 1978م إلى 6.18 ملايين في عام 2013م.

كما شهدتِ الصِّينُ تحسُّناً ملموساً في الرِّعايةِ الصِّحِّيَّةِ لأفرادِها وهبوطاً كبيراً في مُعدَّلاتِ الإصابةِ بالأمراضِ مِن خلالِ بذلِ الجهودِ المُكثَّفةِ للوقايةِ مِنَ الأمراضِ. وبحلولِ عام 2010م، ارتفع متوسِّطُ العمرِ المُتوقَّعِ للشَّعبِ الصِّينيِّ إلى 73.5 سنةً، بزيادةٍ قدرُها خمسةُ أعوامٍ ونصف العام عن المتوسط في عام 1978م، وكان متوسِّطُ العمرِ المُتوقَّعِ للشَّعبِ الصِّينيِّ في عام 1949م لا يتجاوزُ 35 عاماً. وعلى مدَى أكثرَ مِن نصفِ قرنٍ، اتَّبعتِ الصِّينُ سياسةَ الصِّحَّةِ العامةِ الَّتي ينصبُّ تركيزُها على الوقايةِ مِنَ الأمراضِ. وبفضلِ الجهودِ المكثَّفةِ في مجالِ الوقايةِ منَ الأمراضِ، وتعزيزِ الوعيِ الصِّحِّيِّ بينَ النَّاسِ، والمتابعةِ الدَّقيقةِ والإشرافِ على الإصحاحِ البيئيِّ وسلامةِ الأغذيةِ والنَّظافةِ في المدارسِ وفي المناطقِ الحضريَّةِ والرِّيفيَّةِ، والأمنِ الإشعاعيِّ، انخفضتْ مُعدَّلاتُ الإصابةِ بالأمراضِ انخفاضاً هائلاً. وفي الوقتِ نفسِه، اكتملَ الجزءُ الأكبرُ مِنَ النِّظامِ الشَّامِلِ لخدماتِ الإسعافاتِ الأوَّليَّةِ والوقايةِ منَ الأمراضِ ومكافحتِها ليوفِّرَ مجموعةً كاملةً مِنَ الخدماتِ العلاجيَّةِ في المناطقِ الحضريَّةِ والرِّيفيَّةِ. وفي سبيلِ تعجيلِ الجهودِ الرَّاميةِ إلى تعزيزِ الرِّعايةِ الصِّحِّيَّةِ للنِّساءِ والأطفالِ وتنظيمِ الأُسْرةِ، أُنشِئ -بالإضافةِ إلى العديدِ مِن أقسامِ طبِّ الأطفالِ وطبِّ النِّساءِ والتَّوليدِ الَّتي احتوتْها جميعُ المستشفياتِ تقريباً في كافَّةِ أرجاءِ الدَّولة- عددٌ كبيرٌ مِنَ المرافقِ مثلِ مراكزِ رعايةِ الأمومةِ والطُّفولةِ، ومستشفياتِ طبِّ النِّساءِ والتَّوليدِ ومستشفياتِ الأطفالِ لتوفيرِ خدماتِ الرِّعايةِ الطِّبِّيَّةِ والصِّحِّيَّةِ المُتخصِّصةِ للنِّساءِ والأطفالِ. وفي الوقتِ نفسِه، تطوَّرتْ وسائلُ تنظيمِ الأُسرةِ في ظروفٍ صحِّيَّةٍ مُواتيةٍ في جميعِ أنحاءِ البلدِ، مَا وضع حدًّا حاسماً للنُّموِّ السُّكَّانيِّ المُفرِطِ.

وبِسنِّ سلسلةٍ منَ القوانينِ واللَّوائحِ، التي تشملُ سلامةَ الأغذيةِ، وتناوُلَ العقاقيرِ، والصِّحَّةَ العامةَ، والحَجْرَ الصِّحِّيِّ عندَ نقاطِ العبورِ الحدوديَّةِ، والوقايةَ منَ الأمراضِ المُعديةِ ومكافحتَها، فإنَّها قدْ أقامتْ جداراً منيعاً يحولُ دونَ التَّلوُّثِ الغذائيِّ والأضرارِ البدنيَّةِ النَّاجمةِ عنْ تناولِ العناصرِ السَّامَّةِ، كما أنَّها تعطي ضماناً مَوثوقاً لجودةِ الدَّواءِ وسلامتِه وتحسينِ الصِّحَّةِ العامةِ لأفرادِها.

وبفضلِ التَّطوُّرِ الهائلِ في دراسةِ الطِّبِّ وتخريجِ عددٍ كبيرٍ منَ المُتخصِّصِين في الرِّعايةِ الصِّحِّيَّةِ منَ الصِّينيِّين، مع الاستمرارِ في سياستِها المُتمثِّلةِ في التَّنميةِ المُتزامِنةِ والتَّعايُشِ طويلِ الأمدِ للطِّبِّ الصِّينيِّ التَّقليديِّ والطِّبِّ الغربيِّ ودمجِهما، وضعتِ الصِّينُ نظاماً مُتعدِّدَ التَّخصُّصاتِ والمُستوَياتِ للتَّعليمِ الطِّبِّيِّ يشملُ التَّعليمَ الابتدائيَّ والثَّانويَّ والعاليَ، ويتيحُ إمكانيةَ التَّدريبِ في وقتِ العملِ والوقتِ الإضافيِّ على أيدي فريقٍ ماهرٍ منَ المعلِّمِين المحترفِين، وتخريجِ أسطولٍ كبيرٍ منَ المِهنيِّين الصِّحِّيِّين. كما شهدتْ مهنةُ التَّمريضِ تطوُّراً ملحوظاً لتتفوَّقَ في مجالاتِ تقديمِ الرِّعايةِ الطِّبِّيَّةِ العلاجيَّةِ، ومكافحةِ الأمراضِ، وإعادةِ التَّأهيلِ، والتَّعليمِ الطِّبِّيِّ والأبحاثِ الطِّبِّيَّةِ.

أمَّا بالنِّسبةِ إلى الإنجازاتِ الهائلةِ الَّتي حقَّقتْها البحوثُ الطِّبِّيَّةُ، فقدْ حصلتْ طفرةٌ مُدهِشةٌ في التِّقنيَّاتِ الجراحيَّةِ كالتَّخديرِ بالوخزِ الإبريَّ، وإعادةِ زرعِ الأطرافِ المقطوعةِ (أصابع اليدين والقدمين) وعلاجِ الحروقِ الَّتي تحتلُّ مناطقَ كبيرةً منَ الجسمِ؛ وتشملُ الإنجازاتُ في مجالِ الطِّبِّ الحيويِّ اكتشافَ مادَّةِ «الأرتيميسينين -artemisinin» وعزلَ بكتيريا «المُتدثِّرةِ الحثريَّةِ -Chlamydi a trachomatis»، وتنميتَها في ظروفٍ مناسِبةٍ، ومكافحةَ الأمراضِ كمرضِ «الجدريِّ -smallpox» في جميعِ الأرجاءِ.

وبالتَّوسُّعِ المستمِرِّ للتَّبادُلِ والتَّعاونِ الدَّوليِّ في مجالِ العلاجِ الطِّبِّيِّ والصِّحَّةِ، عزَّزتِ الصِّينُ مِنِ استفادتِها منَ التَّبادُلِ الأكاديميِّ والتَّعاونِ مع منظَّمةِ الصِّحَّةِ العالميَّةِ ودوائرِ الصِّحَّةِ العامةِ الدَّوليَّةِ في السنواتِ الأخيرةِ، واستمرَّتْ في إرسالِ فرقٍ طبِّيِّةٍ إلى دولِ العالمِ الثَّالثِ لمكافحةِ الأمراضِ والقيامِ بأعمالِ الإغاثةِ في حالاتِ الكوارثِ، ويحظى هَذا الجهدُ ببالغِ الثَّناءِ منَ البلدانِ المتلقَّيةِ.

وبحلولِ نهايةِ عام 2013م، بلغ عددُ مَنْ شملَهم التَّأمينُ الصِّحِّيُّ الأساسيُّ مِن المواطنِين الصِّينيِّين 573.22 مليونَ مواطنٍ، أمَّا بالنسبةِ لسكَّانِ المناطقِ الرِّيفيَّةِ، فقدْ وقَّعَ 99 % منهم على مبادرةِ الرِّعايةِ الطِّبِّيَّةِ التَّعاونيَّةِ الرِّيفيَّةِ الجديدةِ، ومع ذلِك لا تزالُ الصِّينُ تفتقرُ إلى المزيدِ مِن مواردِ الصِّحَّةِ العامةِ، كما أنَّ توزيعَ هذِه المواردِ وتطويرَها لا يتسمُ بالتَّوازنِ في مختلَفِ المجالاتِ، وتُعاني بعضَ الاضطراباتِ الأُخرى، كمحدوديَّةِ برنامجِ التَّأمينِ الصِّحِّيِّ، وارتفاعِ تكاليفِ الرِّعايةِ الصِّحِّيَّةِ غيرِ المشمولةِ بالتَّأمينِ الصِّحِّيِّ، ونقصِ الإسهاماتِ الحكوميَّةِ، فضلاً عنْ ندرةِ الحصولِ على الخدماتِ الطِّبِّيَّةِ بتكلفةٍ يسيرةٍ. وفي ظلِّ هذِه الظُّروفِ، سيتحوَّلُ مسارُ مستقبلِ العلاجِ الطِّبِّي وتنميةِ الصِّحَّةِ العامةِ نحوَ إعادةِ هيكلةِ نظامِ الرِّعايةِ الصِّحِّيَّةِ بالكاملِ، واستكمالِ نظامِ العلاجِ الطِّبِّيِّ ونظامِ الصِّحَّةِ العامةِ بما يتناسبُ مع الظُّروفِ الوطنيَّةِ، وتعزيزِ مواردِ الرِّعايةِ الصِّحِّيَّةِ، وتحقيقِ زيادةٍ كبيرةٍ في توزيعِ المواردِ الصِّحِّيَّةِ على المناطقِ الرِّيفيَّةِ والمناطقِ الوسطَى والغربيَّةِ والوحداتِ الشَّعبيَّةِ، وضمانِ توفيرِ خدماتِ الصِّحَّةِ العامةِ والعلاج الطِّبِّيِّ الآمنةِ والمُناسِبةِ والفعَّالةِ، وذات التكلفة اليسيرةِ لجماهيرِ الشَّعبِ العريضةِ.

التَّعْلِيمُEducation

تزخرُ الصِّينُ بتاريخٍ عريقٍ في مجالِ التَّعليمِ، وهَذا ما تؤكِّدُه بعضُ الرُّموزِ الصِّينيَّةِ الَّتي عُثر علَيها في السِّجلِّاتِ المكتوبةِ القديمةِ المحفورةِ على عظامِ الحيواناتِ وصدفِ السَّلاحفِ منذُ أكثرَ مِن 1,300 عام ق.م. وفي غضونِ حقبة الرَّبيعِ والخريفِ، بدأ «كُونْفُوشْيُوسُ -Confucius» في إنشاءِ مدارسَ خاصَّةٍ في بلدتِه الَّتي تُعرفُ حاليًّا بمقاطَعةٍ «شَانُدونْغ -Shandong»، والتحقَ بها ما يزيدُ على 3,000 طالبٍ. وبعدَها اتَّجهتِ الصِّينُ نحوَ توحيدِ نظامِ الدِّراسةِ تدريجيًّا ووضعِ نظامٍ أساسيٍّ للتَّعليمِ المدرسيِّ. وقدْ شهدتْ آليةُ التَّعليمِ المدرسيِّ في الصِّينِ مزيداً مِن التَّقدُّمِ والتَّنظيمِ بعدَ أُسرتَي «تشِينْ -Qin» و«هَانْ -Han» الحاكِمتَين. ومع اقترابِ نهايةِ أسرةِ «تشِينْ -Qin»، عندَما أُلغِيَ نظامُ الامتحانِ الإمبراطوريِّ وأُنشِئتْ أنواعٌ جديدةٌ مِن المدارسِ، حلَّ التَّعليمُ الحديثُ محلَّ التَّعليمِ القديمِ تدريجيًّا، إلَّا أنَّ المُعلِّمِين البارزِين وأكاديمياتِ التَّعليمِ الكلاسيكيَّةِ الشهيرةِ والمؤلَّفاتِ الهائلةِ في مجالِ نُظُمِ التَّعليمِ في عصورِ الصِّينِ القديمةِ لمْ تتوقفْ أبداً عنْ ممارسةِ تأثيراتِها العميقةِ في تطويرِ الفلسفاتِ والنَّظريَّاتِ التَّعليميَّةِ في البلادِ، وللأسفِ سقطتِ المسيرةُ التَّعليميَّةُ في الصِّينِ نحوَ الهاويةِ في العصرِ الحديثِ. فبحلولِ عام 1949م، لمْ يكنْ لدَيها سوَى 205 مؤسساتٍ للتَّعليمِ العالِي و1,171 مدرسةً للعلومِ التَّطبيقيَّةِ، و4,045 مدرسةً إعداديَّةً عامةً، و347,000 مدرسةٍ ابتدائيَّةٍ، ويُمثِّلُ عددُ الطُّلَّابِ 4.76 % فقطْ مِن مجموع عددِ السكَّانِ. وبعبارةٍ أُخرى، بلغتْ نسبةُ مَنِ التحقَ مِن مواطنِيها بالمدارسِ الابتدائيَّةِ 150 تلميذاً من كُلِّ 10,000، وبالمدارسِ الإعداديَّةِ ما يعادلُ 23 لكلِّ 10,000 مواطنٍ، وبلغتْ نسبةُ الأُميِّين 80 % مِن السكَّانِ، وانحدرَ مُستوَى التَّوعيةِ الثَّقافيَّةِ لجميعِ أفرادِ الشَّعبِ. بعدَ تأسيسِ الصِّينِ الجديدةِ، بدأتِ الإصلاحاتُ التَّعليميَّةُ في المدارسِ على جميعِ المستوياتِ لتوجيهِ مسار ِالتَّعليمِ نحوَ بناءِ الاقتصادِ الوطنيِّ وتنميتِه. وبفضلِ هذِه الإصلاحاتِ، تطوَّرتِ الأنشطةُ التَّعليميَّةُ في جميعِ المستوياتِ لتتلاءمَ مع التَّنميةِ الاقتصاديَّةِ والاجتماعيَّةِ في مراحلِها المختلِفةِ، كما واصلتِ العمليةُ التَّعليميَّةُ مسيرتَها نحوَ النموِّ والازدهارِ وانعكس ذلِك بوضوحٍ على مستوَى التَّعليمِ وجودتِه. ومنذُ عام 1978م، عندَما بدأتِ الصِّينُ حركةَ الإصلاحِ والانفتاحِ، بعدَ أنْ وضَع «دِنْغ شِيَاوْ بِينْغ -Deng Xiao ping»، كبيرُ مهندسِي برنامجِ الإصلاحِ والانفتاحِ في الصِّينِ، استراتيجيَّةً تنمويَّةً لصناعةِ التَّعليمِ في الدَّولةِ تهدفُ إلى التَّوجُّهِ نحوَ الحداثةِ، والعالمِ والمُستقبَلِ على وجهِ التَّحديدِ، قطعتِ الصِّينُ شوطاً بعيداً في جميعِ النَّواحِي التَّعليميَّةِ، وتتضمَّنُ التَّعليمَ الأساسيَّ والتَّعليمَ الابتدائيَّ والثَّانويَّ والتَّعليمَ الفنِّيَّ والمِهنيَّ والتَّعليمَ العالِي وتعليمَ الرَّاشدِين والتَّعليمَ الخاصَّ وتعليمَ الأقلِّيَّاتِ. وقدْ بُذِلتْ جهودٌ خاصَّةٌ لإعفاءِ طلَّابِ الرِّيفِ مِن المصاريفِ الدِّراسيَّةِ ورسومِ التَّعليمِ الإلزاميِّ وتزويدِهم بالكُتبِ الدِّراسيَّةِ مجاناً وزيادةِ الإعاناتِ الحكوميَّةِ المُقدَّمةِ للطُّلَّابِ الذين يدرسُون في المدارسِ الفنيَّةِ والمعاهدِ والجامعاتِ وتوسيعِ نطاقِ هذِه الإعاناتِ. نجحتْ هذِه الجهودُ في التَّقدُّمِ بخطواتٍ واسعةٍ نحوَ الهدفِ المُتمثِّلِ في توفيرِ التَّعليمِ للجميعِ وتقديمِ إسهامٍ ملموسٍ للنُّهوضِ تدريجيًّا بنظامِ التَّعليمِ الاشتراكيِّ ذي الخصائصِ الصِّينيَّةِ لينطلقَ صوبَ القرنِ الحادِي والعشرِين.

يُبيِّنُ الإحصاءُ الوطنيُّ السَّادسُ أنَّه مِن بينِ السكَّانِ القاطنِين في 31 محافظةً في البرِّ الرَّئيس وفي البلدِيَّاتِ والأقاليمِ ذات الحكم الذّاتي، بلغ عددُ الطُّلَّابِ الذين أتمُّوا دراستَهم الجامعيَّةَ وما فوقَها 119.63 مليونَ طالبٍ، وبلغ عددُ مَنْ أتمُّوا دراستَهم في المدارسِ المتوسِّطةِ العليا (بما في ذلِك مرحلةُ التَّعليمِ الفنِّيِّ) 18.798 مليونَ طالبٍ، وعددُ مَنْ أنهَوا دراستَهم في المدارسِ المتوسِّطةِ والمدارسِ الابتدائيَّةِ 519.65 مليوناً و358.76 مليوناً على التَّوالِي. ومقارنةً بالنتائجِ المُسجَّلةِ في الإحصاءِ الوطنيِّ الخامسِ، فقدْ ازداد عددُ الأشخاصِ الذين تلقَوا التَّعليمَ على المُستوَى الجامعِّي وما فوقَه مِن 3,611 إلى 8,930 لكلِّ 100,000 شخصٍ؛ بينَما ازداد عددُ الأشخاصِ ذوي الخلفيَّةِ التَّعليميَّةِ في المدارسِ المتوسِّطةِ العليا والمدارسِ الإعداديَّةِ مِن 11,146 إلى 14,032 ومِن 33,961 إلى 38,788 على التَوالِي. وفي تلْك الأثناءِ، بلغ عددُ الأُمييِّن 54 مليونَ شخصٍ؛ أيْ أقلَّ ممَّا كان علَيه في سنةِ 2000م بنحو 30.41 مليونِ شخصٍ. وهذَا يعنِي انخفاضَ مُعدَّلِ الأميَّةِ في الصِّينِ مِن 6.72 % إلى 4.08 % أيْ بنسبةِ 2.64 %، ومع ذلِك، لمْ يحرزْ التَّثقيفُ الاجتماعيُّ وتعليمُ الرَّاشِدين درجةً عاليةً مِن التَّطوُّرِ أوْ لمْ يكنْ حتَّى مُتاحاً للجميعِ. وفيمَا يتعلَّقُ بعددِ السَّنواتِ الَّتي يتلقَّى خلالَها المواطِنُون التَّعليمَ النِّظاميَّ على أساسِ نصيبِ الفردِ، فإنَّ الصِّينَ تقلُّ عنْ المتوسِّطِ العالميِّ. وبسببِ صعوبةِ الحصولِ على التَّعليمِ، فإنَّ الشَّعبَ الصِّينيَّ لمْ تكنْ لدَيه الإرادةُ أو الاستعدادُ لتحسينِ الجودةِ التَّعليميَّةِ.

كما أنَّ نسبةَ مَنْ تلقَّى التَّعليمَ الابتدائيَّ والإعداديَّ مِن أفرادِ القوَى العاملةِ بلغتْ 75 % فقط، وتبلغُ نسبةُ مَنْ حصلُوا على التَّعليمِ ذي الجودةِ العلميَّةِ الأساسيَّةِ بينَ سكَّانِ الرِّيفِ والحضرِ واحداً إلى عشرة.

وقدْ باتَ تدنِّي الجودةِ الثَّقافيَّةِ والعلميَّةِ للشَّعبِ الصِّينيِّ عامةً حجرَ عثرةٍ يقفُ في طريقِ نموِّها الاقتصاديِّ والاجتماعيِّ. وفي سبيلِ النُّهوضِ بهذَا الوضعِ، يتحتَّمُ على الصِّينِ أنْ تُعطِيَ الأولويَّةَ لتطويرِ التَّعليمِ في المُستقبَلِ، وزيادةِ مساهمتِها في مجالِ التَّعليمِ، ويجب تعميقُ عمليَّةِ إصلاحِ نظامِ التَّعليمِ، والتَّعجيلُ بتعديلِ هيكلِها التَّعليميِّ، وتعميمُ التَّعليمِ الإلزاميِّ لمدَّةِ تسعِ سنواتٍ وإقرارُهُ، والعملُ بنشاطٍ على تعزيزِ التَّعليمِ المِهنِّيِّ، وبذلُ مزيدٍ مِن الجهودِ لتعزيزِ سُبُلِ الإبداعِ في قطاعِ التَّعليمِ العالي، وتسريعُ وتيرةِ تطويرِ الجامعاتِ المُتميِّزةِ والتَّخصُّصاتِ المُتطوِّرةِ، ودفعُ التَّنميةِ المُنسَّقةِ للتَّعليمِ بجميعِ أنواعِه، على كافَّةِ المستوياتِ وعلى جميعِ الجبهاتِ.