الثَّقَافَةُ

الأَدَبُLiterature

يضمُّ الأدبُ الصِّينيُّ أعمالاً أدبيَّةً لجميعِ المجموعاتِ العِرقيَّةِ، مع كوْنِ مجموعةِ «الْهَانِ -Han» المجموعةَ العِرقيَّةَ الأَساسيَّةَ. ونظراً لكَوْنِ هَذا الأدبِ فريداً مِن نوعِه من حيث المضمونُ والشَّكلُ والنَّمطُ، ونظراً لاتِّباعِه فلسفاتِ الجمالِ والتُّراثَ الثَّقافيَّ والأيديولوجيَّ والأساليبَ النَّظريَّةَ ونُظُمَ العرضِ الخاصَّةَ بِه، قدَّم هَذا الأدبُ إسهاماتٍ استثنائيَّةً في تطويرِ الأعمالِ الأدبيَّةِ والفنيَّةِ في العالمِ.

إنَّ أساسَ الأدبِ الصِّينيِّ يعودُ لِمَا قَبْل وضعِ الأحرفِ المكتوبةِ. ويمكنُ تقسيمُ تطوُّرِهِ إلى المراحلِ الثَّلاثِ الآتيةِ:

الأَدَبُ الْقَدِيمِ (مِنْ عَصْرِ مَا قَبْل التَّارِيخِ إلَى حَرْبِ الْأَفْيُونِ في عام 1840م)

هذِه المرحلةُ الطَّويلةُ غنيَّةٌ بالكنوزِ الأدبيَّةِ العظيمةِ، وقد شكَّلَ الشِّعرُ والأساطيرُ أقدمَ الأشكالِ الأدبيَّةِ فيها. تضمُّ أفضلُ نماذجِ الشِّعرِ الصِّينيِّ القديمِ مجموعةَ «غِيُو فِينْغ -guo feng» (أوِ الأغانِيَ الشَّعبيَّةَ للإقطاعيَّاتِ الخمس عشرة) في (كلاسيكيَّاتِ الشِّعرِ)، وهي أقدمُ مجموعةٍ مِن القصائدِ والأغانِي، و«تشُو تْسِي -chu ci» (أو مَرثيَّاتِ دولةِ شُو) في (مُوَاجَهَةِ الحُزْنِ). وعلى الرَّغمِ مِن الثَّروةِ الهائلةِ مِنَ الأساطيرِ القديمةِ، لمْ يُحفظْ منها إلَّا جزءٌ صغيرٌ جدًّا في كلاسيكيَّاتِ الجبالِ والبحارِ. وكان عهدُ ما قبلَ «تشِين -Qin» العصرَ الذَّهبيَّ للنَّثرِ الكلاسيكيِّ، والذَي تنبَّأ بميلادِه (كِتَابُ التَّارِيخِ). كما ظهرَ نوعان من النثر هما: النَّثرُ التَّاريخيُّ (مثلُ حَوْلِيَّاتِ الرَّبِيعِ والخَرِيفِ، ووَقَائِعِ «تسُو -Zuo»، وخِطَابَاتِ الدُّوَلِ الإِقْطَاعِيَّةِ الْقَدِيمَةِ وَاسْتِرَاتِيجِيَّاتِ الدُّوَلِ المُتَحَارِبَةِ)، والنَّثرُ الفلسفيُّ (كتبَهُ كبارُ المفكِّرين مِن مختلَفِ المدارسِ، مثلُ المختاراتِ الأدبيَّة لـ«كُونْفُوشْيُوس -Confucius» و«مُوزِي -Mozi» و«مَنْسِيُوس -Mencius» و«تشوانغ زِي -Zhuangzi»، وقد أرسَى كلا النَّمطَين قواعدَ الأشكالِ الأدبيَّةِ اللَّاحِقةِ، وقدَّما موضوعاتِ الأعمالِ الفنيَّةِ والأوبرَا التَّقليديَّةَ. تمتَّعَ النَّثرُ التَّاريخيُّ بتطوُّرٍ كبيرٍ إبَّانَ عهدِ سلالةِ «هَان -Han» الحاكمةِ. وقدْ كانَ لـ(سِجِلَّاتِ المُؤَرِّخِ الْكَبِيرِ)، وهِي أوَّلُ رصدٍ تاريخيٍّ لتاريخِ الصِّينِ الشَّاملِ ونموذجٌ رائعٌ للمؤلَّفاتِ التَّاريخيَّةِ، تأثيرٌ كبيرٌ وعميقٌ وبعيدُ المدَى في تطوُّرِ دراسةِ التَّاريخِ والأدبِ في الصِّينِ. وتشتهرُ سلالةُ «هَان -Han» الحاكمةُ بنموذجٍ مميَّزٍ مِنَ النَّثرِ يُسمَّى «فُو -fu»، وهُو نوعٌ مِن أدبِ البلاطِ الملكيِّ غنٌّي بالأوصافِ العاطفيَّةِ. وفي المُقابِلِ، ظهرَ نوعٌ مماثِلٌ مِن الشِّعرِ، يُسمَّى «يُوفُو -yuefu»، بينَ العامةِ، وهو غنيٌّ بالحماسةِ والحيويَّةِ عندَما يحكي قصةً أو يكشفُ عن شعورٍ. ومع التَّحرُّرِ مِن تقليدِ الأبياتِ الشِّعريَّةِ الموزونةِ -إذ يحتوي كلُّ بيتٍ على أربعة أحرفٍ بالتَّحديدِ- بدأ الشِّعرُ يتقبَّلُ أبياتاً شعريَّةً تشملُ خمسةَ أحرفٍ أو سبعةَ أحرفٍ وأيَّ رقمٍ عشوائيٍّ مِن الحروفِ. ومع مرورِ الوقتِ، ظهرتِ الأبياتُ ذاتُ الخمسةِ أحرفٍ في بعضِ الألوانِ الأدبيَّةِ، وهُو تطوُّرٌ أثَّرَ مباشَرةً في ظهورِ القصائدِ الصِّينيَّةِ القديمةِ المعروفةِ باسمِ قصائدِ «جُوجُو -jueju» الَّتي تتكوَّنُ مِن أربعةِ أسطرٍ، في كل سطرٍ خمسةُ أحرفٍ كما في حالةِ «جُوجُو -jueju» خماسيَّةِ الأحرفِ، أو سبعةُ أحرفٍ كما في حالة «جُوجُو -jueju» سباعيَّةِ الأحرفِ.

وفي الأُسرِ الشَّماليَّةِ والجنوبيَّةِ «وِي -Wei» و«جِين -Jin»، كانَ «تسَاوْ تسَاوْ -Cao Cao» واثنَانِ مِن أبنائِه (هما «تسَاوْ بَايْ -Cao Pi» و«تسَاوْ تِشِي -Cao Zhi») أبرزَ الشُّعراءِ، بالإضافةِ إلى علماءِ «جِيَانَان -Jian’an» السبعةِ وهمْ: «وَانْغ كَان -Wang Can» و«تِشِنْ لِين -Chen Lin» و«رُوَان يُو -Ruan Yu» و«لِيُو تِشِن -Liu Zhen» و«شُو غَانْ -Xu Gan» و«يِينْغ يَانْغ -Ying Yang» و«كُونْغ رُونْغ -Kong Rong».

قِطْعَةٌ مَطْبُوعَةٌ مِن: كِلَاسِيكِيَّاتِ الشِّعْرِ، فِي عَهْدِ سُلَالَةِ «مِينْغ» الحَاكِمَةِ

ونظراً لأنَّ أعمالَهم كانتْ تحكي حياةَ وبؤسَ العامةِ بحزنٍ شديدٍ، فقدِ اكتسبتْ نمطاً فريداً عُرِفَ باسْمِ نَمَطِ «جِيَانَان -Jian’an» في التَّاريخِ الأدبيِّ للصِّينِ. وكانتْ هذِه الفترةُ كذلِك ذروةَ النَّقدِ الأدبيِّ، وقدْ شملتِ الأعمالُ الكلاسيكيَّةُ مختاراتٍ عامةً مِن النَّثرِ والشِّعرِ لوَلِيِّ عهدِ «تشَاوْمِينْغ -Zhaoming»، ومـــن أبرز الأمثلة عليها: نقشُ تنِّينِ العقلِ الأدبيِّ.

ثُمَّ جاء عهدُ سلالةِ «تَانْغ -Tang»، وهُو العصرُ الذَّهبيُّ للشِّعرِ، وفيه تشكَّلَ نمطُ «لُوشِي -lüshi» المكوَّنُ مِن ثمانيةِ أبياتٍ، وظهرَ شعراءُ كبارٌ، مثلُ: «لِي بَايْ -Li Bai» و«دُو فُو -Du Fu» و«بَايْ جُوييْ -Bai Jüyi»، قدَّمُوا إرثاً غنيًّا مِن الأعمالِ ذاتِ التَّأثيرِ العميقِ وبعيدةِ المدَى. كما ازدهر في هذِه الدولةِ أيضاً النَّثرُ الكلاسيكيُّ في محتوَاهُ وشكلِهِ بفضل (حركةِ النَّثرِ الكلاسيكيِّ) التي بدأَها «هَانْ يُو -Han Yu» و«لِيُو تشُونْغ يُوَان -Liu Zongyuan»، ومِن ناحيةٍ أخرى، سهَّلتِ الطَّفرةُ الاقتصاديَّةُ الحضريّةُ ولادةَ الأدبِ الحضريِّ، الذي شملَ أنواعاً، كالأساطيرِ على غِرارِ «تَانْغ -Tang» مثل (نمطُ الشِّعرِ الغنائيِّ) و«بِيَانُوِين -bianwen» (أسلوبٌ سرديٌّ فيه مقاطعُ نثريَّةٌ ومقاطعُ مُقفَّاةٌ).

وكانَ عهدُ سلالةِ «سُونْغ -Song» عصرَ التَّأمُّلِ الفلسفيِّ وإعادةِ البناءِ الإيديولوجيِّ، وهو العهدُ الذي عزَّزَ التَّطويرَ الشَّامِلَ للنَّثرِ، وشمل هذا التطوير مذكِّراتِ القراءةِ والمقالاتِ القصيرةَ ويوميَّاتِ السَّفرِ. غيرَ أنَّ أبرزَ ما يُعرَفُ بِه الأدبُ في هذِه الفترةِ هُي تِلك القصائدُ الخالدةُ المعروفةُ باسمِ شِعرِ «تسيْ -ci»، الذي كتبَه شعراءُ بارزُون مِن مختلَفِ المدارسِ، بما في ذلِك «لِيُو يُونْغ -Liu Yong» و«سُو شِي -Su Shi» و«تشُو بَانْغِيَان -Zhou Bangyan» و«شِين تشِيجِي -Xin Qiji» و«جِيَانْغ كُوِي -Jiang Kui». وقدْ شهدتْ هذِه الفترةُ أيضاً ولادةَ النَّموذجِ الأوَّلِ لكتابةِ نصوصِ الرِّواياتِ لحكايتِها، والَّتي تطوَّرتْ مِنَ القصصِ الخياليَّةِ في عهدِ سلالةِ «وِي -Wei» و«جِينْ -Jin»، وأساطيرِ «تَانْغ -Tang» و«بِيَانُوِين -bianwen». وهناكُ حقلٌ آخر ازدهر في هذِه الفترةِ وهُو النَّقدُ الأدبيُّ، حيثُ تَمّ نقدُ جميعِ الأنواعِ الأدبيَّةِ تقريباً بما في ذلِك الشِّعرُ في أعمالٍ متميِّزةٍ مثل: الحَدِيثِ الشِّعْرِيِّ لِلسَّيِّدِ «سِيكْس وَانْ -Six One»، وَأُطْرُوحَةِ الشِّعْرِ لِلسَّيِّدِ «يَانْ كَانْغ لَانْغ -Yan Canglang». كما برزتِ الأوبرَا الصِّينيّةُ التَّقليديَّةُ كالعروضِ الفنيَّةِ المتنوِّعةِ المشهورةِ في عهدِ سلالةِ «سُونْغ -Song» الجنوبيةِ الحاكمةِ، وشهدتِ الأوبرا ذروتَها في عهدِ سلالةِ «يُوَان -Yuan» الحاكِمةِ، لتقدِّمَ أبرزَ الكُتَّابِ مثل «غُوانْ هَانْتشِينْغ -Guan Hanqing» و«مَا تِشِي يُوَانْ -Ma Zhiyuan» و«بَايْ بُو -Bai Pu» و«وَانْغ شِي فُو -Wang Shifu»، ولتظهَرَ أعمالٌ عظيمةٌ مثلُ رُومَانْسِيِّةِ الغرفة الْغَرِبِيَّةِ.

رَسمٌ إِيضَاحِيٌّ فِي «أُسطُورَةِ «بِيبَا»، قِطْعَةٌ مَطْبُوعَةٌ، مَوجُودَةٌ فِي دِرَاسَةِ «وَانْ هُو شُوَانْ» لسَنَوَاتِ حُكْمِ «وَانْلِي»، سَلَالَةُ «مِينْغ» الْحَاكِمَةُ

أمِّا عهدُ الأُسرتَين الحاكمتَين «مِينْغ -Ming» و«تشِينْغ -Qing» فقدْ شهِد تطويراً مستمرًّا للأوبرا الصِّينيَّةِ التَّقليديَّةِ، وولادةَ العديدِ مِن الأعمالِ المؤثِّرةِ، أهمُّها: أسطورةُ «بِيبَا» لـ«غَاوْ مِينْغ -Gao Ming»، وجِنَاحُ الْفَاوَانْيَا لـ«تَانْغ شِيَانْزُو -Tang Xianzu»، ومرْوَحَةُ زَهرِ الْخُوخِ لـ«كُونْغ شَانْغِرِين -Kong Shangren»، وقَصْرُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ لـ«هُونْغ شِنْغ -Hong Sheng»، إضافةً إلى (عَشْر مَسرحيَّاتِ أُوبرا) لـ«لِي يُو -Li Yu»، والعملِ والمسرحِّي (المُتْعَةُ السَّانِحَةُ فِي الفَرِاغِ).

نضجتِ الرِّوايةُ تدريجيًّا في هذِه الفترةِ، مع وجودِ أعمالٍ كلاسيكيَّةٍ مُهمَّةٍ مثلِ حَافَّةِ الْمَاءِ، ورُومَانْسِيَّةِ الْمَمَالِكِ الثَّلَاثِ، والرِّحْلَةِ إَلى الْغَرْبِ، والْبَرْقُوقِ فِي الْإِنَاءِ الذَّهَبِيِّ. وهناكَ كذلِك حُلْمُ الْغُرْفَةِ الحَمْرَاءِ لـ«تسَاوْ شِيُوِ تشِين -Cao Xueqin»، وقد أصبحتْ على وجهِ الخصوصِ مثالاً عالميًّا للرِّوايةِ. ومن الأعمال أيضاً: قَصَصٌ غَرِيبَةٌ مِن استُودْيُو صِينِيٍّ، والْعُلَمَاءُ، و«سَانْ يَانْ إْرْ بَايْ -San Yan Er Pai»: مجموعةٌ مِن خمسِ قصصٍ. وقد كانتْ لَها تأثيراتٌ لا تُمحَى في تطوُّرِ الرِّوايةِ في الصِّينِ.

أمَّا الأعمالُ الأدبيَّةُ الخاصَّةُ بالأقليَّاتِ العرقيِّةِ فهِي تُشكِّلُ أيضاً جزءاً مُهمًّا مِن الأدبِ الصِّينيِّ. إنَّ هذِه المجموعاتِ العِرقيَّةَ بما امتلكتْهُ مِن ثروةٍ مِنَ الأساطيرِ والملاحمِ والقصصِ، أضافتْ مِن خلالِ الإبداعاتِ الأدبيَّةِ مجموعةً مميَّزةً مِن الألوانِ الوطنيَّةِ للأدبِ الصِّينيِّ. فهُناك النُّسخُ التِّبتيَّةُ والمنغوليَّةُ لملحمةِ الملكِ «جِيسَار -Gesar»، وملحمةِ «مَانَاس -Manas» الْقَرْغِيزِيَّةِ، وملحمةِ «يَانْغَار -Jangar» المنغوليَّةِ، وملحمةِ «آه شِيمَا -Ah Shima»، وقصيدةِ: حكمةِ الثَّروةِ والسَّعادةِ الأويغوريَّةِ، وقصيدةِ: قَرْيَةِ «تشَاوْ شو -Zhaoshu» من سرديات الدَّايْ، وأسطورةِ «المَانتشُو نِيشَان سَامَان -Manchu Nishan Saman»، والحكمةِ التِّبْتِيَّةِ: قَوَاعِدُ المياهِ والشَّجَرَةِ، فضلاً عَن قصصِ شعبِ «الدَّونْغ» والقصائدِ القديمةِ لشعبِ «يي-Yi» ، وجميعُها لآلئُ ساطعةٌ في سماء كنوزِ الصِّينِ الأدبيَّةِ.

الأَدَبُ الحَدِيثُ (مِن حَربِ الأَفيَونِ في عام 1840م حتَّى تَأسِيسِ جَمْهُورِيَّةِ الصِّيْنِ الشَّعْبِيَّةِ في عام 1949م)

تُعَدَّ هذِه الحقبةُ عصرَ الثَّورةِ الأدبيَّةِ الَّتي تمسُّ كلَّ جوانبِ الأدبِ الصِّينيِّ: كالآثارِ الاجتماعيَّةِ والمفاهيمِ العِرقيَّةِ ودلالاتِ المضمونِ والمعاييرِ الجماليَّةِ وأنماطِ اللُّغةِ وقوالبِ الأشكالِ ووسائلِ التَّواصُلِ. ويمكنُ تقسيمُ هذِه الفترةِ إلى مرحلتَين، الأولى تسبقُ حركةَ الرَّابعِ مِن مايو/أيار عام 1919م، والثَّانيةُ تليها. ففي مواجهةِ حربِ الأفيونِ وغزوِ القوَى الغربيَّةِ الأخرى، برزَ تأثيرُ الرُّوادِ الإصلاحيِّين، مثلِ: «غُونْغ زِيتشينْ -Gong Zizhen» و«لِينْ زِيشو -Lin Zexu» و«وِي يُوَانْ -Wei Yuan»، في الأدبِ مِن خلالِ الدَّعوةِ إلى الواقعيَّةِ وفنِّ الحُكمِ العمليِّ. وقدْ كتبُوا قصائدَ كثيرةً توحِي بولعِهم بالوطنِ الأمِّ وخوفِهم على الشَّعبِ. وفي الوقتِ نفسِه، ظهرتِ الرُّوَاياتُ السَّاخرةُ، منها: أزهارٌ فِي الْمِرْآةِ، وَكَشْفُ السَّاسَةِ، وَزَهْرةُ السَّوْسَنِ الْمُمَزَّقَةُ، لتُعبِّرَ عنْ الاستياءِ العام مِن الواقعِ والرَّغبةِ في الإصلاحِ الاجتماعيِّ. وقدْ حوَّل علماءُ مثلُ «هُوَانْغ زُونشيَان -Huang Zunxian» و«كَانْغ يُوَاي -Kang Youwei» و«لِيَانْغ تشيتشَاو -Liang Qichao» و«تَانْ سِيتُونْغ -Tan Sitong»، و«يَانْ فُو -Yan Fu» وغيرِهم، ممَّن كانوا يحملُون نفسَ الرُّؤى، الدَّعوةَ إلى الشِّعرِ الحديثِ إلى دعوةٍ لثورةٍ أدبيَّةٍ، وهِي الخطوةُ الَّتي حصلتْ على تأييدٍ حماسيٍّ وأثارتْ ردَّ فعلٍ واسعِ النِّطاقِ. لقدْ دفعتْ حركةُ الرَّابعِ مِن مايو/أيار الأدبَ الصِّينيَّ نحوَ الإصلاحِ الحقيقيِّ والابتكارِ، إلى جانبِ الجهودِ الَّتي بذلَها كُلٌّ مِن «هُو شِي -Hu Shi» و«تِشِنْ دُو شيُو -Chen Duxiu» وَ«لِي دَاتشاوْ -Li Dazhao» في دعم الأدبِ الوطنيِّ والكتابةِ باللُّغةِ المحلِّيَّةِ، وكذلِك جهودُ «مَاوْ تِسِي دُونْغ -Mao Zedong» الذي أظهر اتِّجاهَ الأدبِ الدِّيمقراطيِّ الجديدِ، والجهودُ الَّتي بذلَها جيشٌ كبيرٌ مِن الكُتَّابِ مثلِ «لُو شُونْ -Lu Xun» و«تشُو زُورِينْ -Zhou Zuoren»، و«غُوو مُورُوو -Guo Moruo»، و«يِي شِينْغتَاوْ -Ye Shengtao» و«مَاوْ دُونْ -Mao Dun» و«بَا جِينْ -Ba Jin» و«وَانْغ تُونْغتشاوْ -Wang Tongzhao» و«لَاوْ شِي -Lao She» و«شِنْ تسُونْغُوِينْ -Shen Congwen»، و«تسَاوْ يُو -Cao Yu»، إذ أبدعَ هؤلاء أعمالاً رائعةً كانتْ باكورةَ الأدبِ الجديدِ، وتركوا بصمةً في مستقبلِ تطوُّرِه.

الأَدَبُ الْمُعَاصِرُ (منذ تَأسِيسِ جَمْهُورِيَّةِ الصِّينِ الشَّعْبِيَّةِ في عام 1949م)

امتداداً للأدبِ الحديثِ في الصِّينِ المعاصِرةِ، يواصلُ الأدبُ الصِّينيُّ المعاصِرُ تطوُّرَه وينشرُ جوهرَ الأدبِ الجديدَ، الذي بدأ منذُ حركةِ الرَّابعِ مِنْ مايو/أيار، مجسداً ملامحَ الأدبِ الاشتراكيِّ في نفسِ الوقتِ.

أوَّلًّا: ظلَّ متماشِياً مع الزمن، وسائراً على نحوٍ لا لبسَ فيه مع الشَّعبِ والاشتراكيَّةِ، وعمِلَ جاهداً للحفاظِ على الأصالةِ.

ثانياً: تميَّزَ بالتَّنوُّعُ المتزايدُ في الأنماطِ والموضوعاتِ والأسلوبِ، بلْ إنَّه وصل إلى مواطنَ أعمقَ بكثيرٍ مِن أيِّ وقتٍ مضى مِن حيثُ المحتوَى.

ثالثاً: شهدَ ظهورَ عددٍ كبيرٍ مِن المُبدِعِين، مع تمتُّعِ الكُتَّابِ المخضرَمين بالثَّراءِ، وتوالِي ظهورِ المواهبِ الشَّابَّةِ على المسرحِ التَّاريخيِّ.

رابعاً: استمرَّتِ القصائدُ والرِّواياتُ والأعمالُ الأدبيَّةُ الأخرى في الظهور بالآلافِ عاماً بعد عام، مع تميُّزِ العديدِ منها بموضوعاتِه المعاصِرةِ وثرائِه التَّاريخيِّ.

خامساً: تمَّ فرزُ الأعمالِ الأدبيَّةِ التَّقليديَّةِ للأقليَّاتِ العِرقيَّةِ ووضْعُها تحتِ الدِّراسةِ المُستفيضةِ، وبرزَ عددٌ كبيرٌ مِن الكُتَّاب مِن الأقلِّيَّاتِ ممَّن لهم ثِقلٌ أدبيٌّ، وتتابعتِ الأعمالُ المُؤثِّرةُ واحداً تلوَ الآخرِ.

أخيراً: أصبح الأدبُ الصِّينيُ المعاصِرُ يسيرُ على طريقٍ مُنْفتِحٍ، ويستقدِمُ قدراً كبيراً مِن النَّظريَّاتِ والأعمالِ الأجنبيَّةِ إلى الصِّينِ، ويرسلُ إلى الخارجِ قدراً متزايداً مِن الأعمالِ الصِّينيَّةِ. في الحادي عشرَ مِن أكتوبرَ/تشرين الأول عام 2012م، حصل مُو يَانْ على جائزةِ نُوبِل في الأدبِ، ليكونَ أوَّلَ كاتبٍ صينيٍّ يحصلُ على الجائزةِ. إنَّ الأدبَ الصِّينيَّ المعاصِرَ بما يحملُ مِن نظراتٍ مُتنوِّعةٍ وببقائِه قريباً مِن الشَّعبِ يزدهرُ بزخمٍ غيرِ مسبوقٍ.

الفُنُونُArts

يتكوَّنُ الفنُّ الصِّينيُّ بشكلٍ أساسيٍّ مِن الموسيقى والفنونِ الجميلةِ والرَّقصِ والأفلامِ.

المُوسِيقَى

تمتدُّ الموسيقى الصِّينيَّةُ لتاريخٍ طويلٍ جداً. وقد كان لها شأنٌ كبيرٌ وسماتٌ مميِّزةٌ حتَّى في العصورِ القديمةِ.

تقولُ الأسطورةُ إنَّه منذُ بواكيرِ أيامِ الإمبراطورِ «يَاوْ -Yao» والإمبراطورِ «شُونْ -Shun»، كانتْ توجدُ بالفعلِ نماذجُ بدائيَّةٌ للموسيقى تشبهُ الألحانَ، فضلاً عَن رقصاتٍ تحاكِي حركةَ الوحوشِ وضرباتِ الطُّبولِ الطِّينيَّةِ وأحجارِ الرَّنينِ. وإلى جانبِ الوثائقِ الَّتي تسجِّلُ المقطوعاتِ القديمةَ مثلَ: بَوَّابَةِ الغَيْمَةِ، والْمَسْبَحِ الْمَالِحِ، وعَائِلَةِ «شَاوْ -Shao»، كانتْ هناكَ أيضاً أساطيرُ حولَ الآلاتِ الموسيقيَّةِ القديمةِ، مثلُ آلةِ (طبلِ) «غُو -gu» و«تشِينْغ -qing» (حجارةِ الرَّنين)، وجرسِ «تشونْغ -zhong» وفلوتِ «شِيَاوْ -xiao» (وهو الفلوتُ ذو الرَّأسِ العموديِّ)، و«غُوَانْ -guan» (وهي آلةٌ هوائيَّةٌ ثنائيَّةُ القصبةِ)، و«تشِي -chi» (فلوت الخيزَرانِ)، و«شِنْغ -sheng» (وهي آلةٌ هوائيَّةٌ مُتعدِّدةُ الأنابيبِ)، و«تشِينْ -qin» (وهي آلةٌ تشبه القانون).

خلالَ عهدِ أسرتَي «شِيَا -Xia» و«شَانْغ -Shang»، أصبحتِ الموسيقَى جزءاً مِن الاحتفالاتِ الأساسيَّة مثلَ طقوسِ القرابِين. وخلالِ عهدِ أسرةِ «تشُو -Zhou» الغربيَّةِ تطوَّر نظامُ الطُّقوسِ والموسيقى بشكلٍ مثاليٍّ. وخلالِ فترةِ الرَّبيعِ والخريفِ، اكتسبتِ الموسيقى الشَّعبيَّةُ المُطوَّرةُ حديثاً شهرةً بينَ العائلاتِ الملكيَّةِ بشكلٍ تدريجيٍّ، حتَّى حلَّتْ في النِّهايةِ محلَّ موسيقى البلاطِ القديمةِ. وفي فترةِ الممالكِ المُتحارِبةِ وأسرتَي «تشِينْ -Qin» وَ«هَانْ -Han»، لمْ يكتفِ الموسيقيُّون الصِّينيُّون بممارسةِ هذا النَّوعِ مِنَ الموسيقى الشَّعبيَّةِ فحسبْ، بلْ حقَّقوا إنجازاتٍ ملحوظةً في دراسةِ الطَّبقاتِ الموسيقيَّةِ؛ حيثُ تمَّ تصنيفُ عددٍ كبيرٍ مِن الرَّسائلِ والنَّظريَّاتِ مثلِ: ضدِّ الموسيقى (Against Music) لِـ«مُو تسِي -Mo Zi»، وجدلٍ حولَ الموسيقى (Discourse on Music) لِـ«تشُونْ تسِي -Xun Zi»، وسِجلِّ الموسيقى (Record of Music) في سجلاتِ الشَّعائرِ، والطَّبقةِ الموسيقيَّةِ في حوليَّاتِ الرَّبيعِ والخريفِ (Spring and Autumn Annals) لِـ«مَاسْتر لُو -Master Lü»، بالإضافةِ إلى نظريَّةِ «جِينْغ فَانْغ -Jing Fang» حولَ حسابِ مقياسٍ يتكوَّنُ مِن 60 خُمساً، تَمّ اختراعُه لإحداثِ تأثيرٍ هائلٍ في تطويرِ الموسيقى في الصِّينِ القديمةِ.

«شِنْغ» (آلَةٌ هَوَائِيَّةٌ مُتَعَدِّدَةُ الْأَنَابِيبِ)، تَمّ اكْتِشَافُهَا فِي مَقْبَرَةِ الـ«مَارْكِيزِ يِي» فِي عَهْدِ مَمْلَكَةِ «تشِنْغ»، فَتْرَةَ الْمَمَالِكِ الْمُتَحَارِبَةِ

وخلالَ الفترةِ الممتدَّةِ مِن الممالكِ الثَّلاث حتَّى أُسرةِ «تَانْغ -Tang»، شهدتْ بعضُ الأنماطِ الموسيقيَّةِ المميَّزةِ، مثلُ موسيقى «تشِينْغ شَانْغ -qingshang» (نوعٌ مِن الموسيقى الكلاسيكيَّةِ) وموسيقى القانونِ، تطوُّراً كبيراً. وبفضلِ استيعابِ الموسيقى الخارجيَّةِ القادمةِ مِن الهند وَدُوَلِ منطقةِ وسطِ آسيا مثلِ منطِقةِ فَرْثِيَا، حقَّقتِ الصِّينُ طفرةً في موسيقى الغناءِ والرَّقصِ، تمثَّلتْ في موسيقى «يَانِ -yan» في عهدِ أسرتَي «سُوِي -Sui» و«تَانْغ -Tang»، كما شهدتْ ازدهارَ الموسيقى الشَّعبيَّةِ -الَّتي كانتْ تعتمدُ على موسيقى الغناءِ والرَّقصِ- بعدَ عهدِ أسرتَي «تشِينْ -Qin» و«هَانْ -Han». وقدْ أسفر ازدهارُ الموسيقى خلالَ تلك الفترةِ عن تفكيرِ «تشِينْغ تسِي -Zheng Ze» في 84 نصفَ نغمةٍ في بدايةِ عهدِ أسرةِ «سُوِي -Sui»، وتأليفِ 28 نصفَ نغمةٍ في موسيقى «يَانْ -yan»، واكتشافِ 12 طبقةً موسيقيَّةً، وهِي الإنجازاتُ الَّتي أدَّتْ إلى نظريَّاتِ الطبقاتِ الموسيقيَّةِ في ذلِك الوقْتِ.

وقدْ شهدتْ فتْرتَا «سُونْغ -Song» و«يُوَان -Yuan» تطوُّراً سريعاً في العديدِ مِن أنماطِ الموسيقى الشَّعبيَّةِ، كالرَّابِ والموسيقى المسرحيَّةِ، كما شهدتَا تقدُّماً كبيراً في موسيقى الآلاتِ، مثلِ هُوقِينْ (وهي آلةُ الكمانِ الطَّويلِ)، إضافةً إلى انتشارِ مجموعاتٍ مِن آلاتِ النَّفخِ الخشبيَّةِ، وآلاتِ النَّفخِ، والآلاتِ الوتريَّةِ. كما انتشرتْ بعضُ الآلاتِ الصَّغيرةِ أيضاً مثلِ المُصفِّقِ. وتميَّز عهدُ أسرتَي «مِينْغ -Ming» و«تشِينْغ -Qing» بالتَّقدُّمِ الملحوظِ في الموسيقى المسرحيَّةِ، كأوبرا «بِكِين -Beijing»، والأوبرا الجنوبيَّةِ، والمسرحيَّاتِ الشَّعبيَّةِ القصيرةِ، والنَّغماتِ الشَّعبيَّةِ والبسيطةِ، وكل أشكالِ موسيقى الرَّابِ. كما اشتُهِر استخدامُ آلاتٍ مثلِ «بِيبَا -Pipa» (عودٌ قصيرٌ)، و«سَانشيانْ -sanxian» (عودٌ طويلٌ خالٍ مِن الزَّخارفِ)، والآلاتِ المشابهةِ، على نطاقٍ واسعٍ في الأداءِ المسرحيِّ وتمثيلِ الحكاياتِ. وقدْ اكتَشفَ «تشُو تسَايْيُو -Zhu Zaiyu»، وهو أحدُ المنظِّرين الموسيقيِّين البارزِين في عهدِ أسرةِ «مِينْغ -Ming»، طريقةً مبتكَرةً لحسابِ 12 طبقةً موسيقيَّةً متساويةً. وقدْ أسهمَ هَذا الابتكارُ -الذي قدَّم حلّاً رائعاً للمشكلةِ الَّتي امتدتْ لقرونٍ فيما يتعلَّقُ بتكوينِ أنصافِ النَّغماتِ بطريقةِ دائرةِ الأخماسِ التَّقليديَّةِ- إسهاماً كبيراً في تطويرِ الموسيقى ودراستِها. ومِن خلالِ تطويرِ التَّقاليدِ الموروثةِ مِن أسرتَي «سُونْغ -Song» و«يُوَانْ -Yuan»، تطوَّرتِ الموسيقى الشَّعبيَّةُ بجميعِ أشكالِها بشكلٍ كبيرٍ في عهدِ أسرتَي «مِينْغ -Ming» و«تشِينْغ -Qing»، حيثُ أثْرتِ العديدُ مِن الأنماطِ الموسيقيَّةِ، كالموسيقى المسرحيَّةِ، وموسيقى الحكاياتِ والغناءِ، والموسيقى الوتريَّةِ، والتُّراثَ الموسيقيَّ الصِّينيَّ، وأرستْ أساساً قويًّا لتطويرِ الموسيقى الحديثةِ والمعاصرةِ في الصِّينِ.

منذُ أربعينيَّاتِ القرنِ العشرين، تحوَّلتِ الموسيقى الحديثةُ في الصِّينِ عنْ مسارِ الأسلافِ القدماءِ إلى مسارٍ جديدٍ بخصائصَ مميَّزةٍ. فمِن ناحيةٍ، ظلَّتِ الموسيقى التَّقليديَّةُ الَّتي توارثَها النَّاسُ العاديُّون ومارسُوها على نطاقٍ واسعٍ لمراحل طويلةٍ، مثلُ الموسيقى الكلاسيكيَّةِ والموسيقى الشَّعبيَّةِ وموسيقى الرَّقصِ وموسيقى الرَّابِ والموسيقى المسرحيَّةِ وموسيقى الآلاتِ، ظلَّتْ تتطوَّرُ في اتِّجاهٍ يلبِّي احتياجاتِ العصرِ الجديدِ والاندماجِ في حياةِ النَّاسِ. ومِن ناحيةٍ أخرى، أسهمتِ التَّغييراتُ الاجتماعيَّةُ واستيرادُ الموسيقى الغربيَّةِ في تسريعِ عمليةِ تحوُّلِ الموسيقى الصِّينيّةِ التَّقليديَّةِ وتطوُّرِها، وازدهارِ الموسيقى الصِّينيّةِ الجديدةِ جرَّاءَ تأثيراتِ الموسيقى الغربيَّةِ المعاصِرةِ، كما كانتْ إيذاناً ببدايةِ مرحلةِ تطويرٍ تتميَّزُ بشكلٍ أساسيٍّ بإنشاءِ أشكالٍ مُتعدِّدةٍ مِن الموسيقى الصَّوتيَّةِ تكمِّلُها أنواعٌ أخرى مثلُ الموسيقى الآلاتيَّةِ والمسرحيَّةِ. وكانتْ هذِه الفترةُ مليئةً بالموسيقيِّين والعازفِين الموهوبِين، بما في ذلِك «شِيَاوْ يُومِي -Xiao Youmei»، و«هُوَانْغ تِسِي -Huang Zi»، وَ«تِشَاوْ يُوَانْرِينْ -Zhao Yuanren»، و«لِي جِينْهُويْ -Li Jinhui»، وَ«لِيُو تِيَانْ هُوَا -Liu Tianhua»، و«مَا سِي سُونْغ -Ma Sicong»، و«نِي ايْر -Nie Er»، و«شِيَانْ شِينْغ هَايْ -Xian Xinghai»، و«لُوْ جِي -LüJi»، و«هي لُوتِينْغ -He Lüting»، الذين قدَّموا إسهاماتٍ رائعةً لتطويرِ الموسيقى الصِّينيّةِ.

ومنذُ تأسيسِ جمهوريَّةِ الصِّينِ الشَّعبيَّةِ، تطوَّرتِ الموسيقى الصِّينيّةِ بقوَّةٍ مِن خلالِ الاستيعابِ والاستفادةِ مِنَ الموروثاتِ الموسيقيَّةِ لمختلَفِ البلدانِ والمحافظةِ على خصائِصِها التَّقليديَّةِ الأصيلةِ. وبعدَ فترةٍ وجيزةٍ مِن ولادةِ الجمهوريَّةِ الجديدةِ، تَمّ تأليفُ سلسلةٍ مِن أعمالِ الأوبرا بالتَّتابُعِ شملتِ «الفتاةَ ذاتَ الشَّعرِ الأبيضِ -The White-haired Girl» و«وَانْغ غُوِيْ -Wang Gui» و«لِي شِيَانْغ شَيانْغ -Li Xiangxiang» وَ«لِيُو هُولَانْ -Liu Hulan» وأغنيةَ «بِرَايْرِي -Prairie») و«الفلَّاحَ يتزوجُ -The Peasant Takes a Wife»، تلتْها مجموعةٌ مِن الأعمالِ مثلُ «الحرسِ الأحمرِ على بحيرةِ هُونْغُهُو -Red Guards on Honghu Lake» و«جِيَانْغ جِي -Jiang Jie» و«لِيُو سَانْجِي -Liu Sanjie». وفي الوقتِ نفسِه، تَمّ إحرازُ تقدُّمٍ ملحوظٍ في تأليفِ أعمالٍ سيمفونيَّةٍ تَمّ تنفيذُها بأدواتٍ صينيَّةٍ تقليديَّةٍ، ويتجلَّى ذلك في الرَّوائعِ ذائعةِ الصِّيتِ، كالعملِ الَّذي تَمَّ باستخدامِ الآلاتِ الموسيقيَّةِ التَّقليديَّةِ بعنوانِ: «النَّهرُ المُقمرُ في الرَّبيعِ -Moonlit River in Spring»، والسِّمفونيَّةِ الغنائيَّةِ «غَادَا مِيلِينْ -Gada Meilin»، وحفلةِ الكمانِ: «عشَّاقُ الفراشاتِ -The Butterfly Lovers»، والموسيقى الوتريَّةِ: «القمرُ المنعكِسُ على رَبيعِ إِرْكُوَان -Moon Reflected on Erquan Spring»، وحفلةٍ بآلةِ الْبِيبَا بعنوانِ «الأخواتُ الصَّغيراتُ في المروجِ الخضراءِ -Little Sisters of the Grassland».

وقدْ كان لتبنِّي الصِّينِ سياسةَ الإصلاحِ والانفتاحِ أثرٌ كبيرٌ في أنْ تشهدَ تطوُّراً غيرَ مسبوقٍ في الموسيقى الشَّعبيَّةِ فيما يتعلَّقُ بالسُّرعةِ والنِّطاقِ والتَّأثيرِ في حياةِ النَّاسِ اليوميَّةِ. وخلالَ الفترةِ ما بينَ عامي 1979م و1985م فقطْ، تَمّ إنتاجُ حواليّ 300 عملٍ أوبراليٍّ، أسهمتْ في إثراءِ خبراتِ الصِّينِ في تطويرِ مجالِ فنِّ الأوبرا، حيثُ كان لكلٍّ منْها خصائصُه الفنِّيَّةُ المُميِّزةُ. وقدْ تَمّ إنتاجُ ما يصلُ إلى 35 عملاً موسيقيّاً، مِن بينِها مقطوعةُ البِيَانُو كُونشِرْتُو «الغابةُ الجبليَّةُ -Mountain Forest»، وسيمفونِيَّةُ «صورةُ لُقْمَةِ يُونْلِنْغ -A Sketch of the Mount Yunling»، وبعضُ مقطوعاتِ الموسيقى المعزوفةِ مثل «فَانْتَازْيَا نهرِ مِيلُو -Fantasia of the Miluo River»، و«مائدةُ مسؤولِي سِيشْوَانْ -A Banquet of Sichuan Officials»، وعددٌ مِن مقطوعاتِ موسيقى الدِّراما الرَّاقصةِ مثل «الأميرةُ وِينْتشِينْغ -Princess Wencheng» و«السَّفرُ إلى القمرِ -Flying to the Moon». وبعدَ نجاحِ أغنيَة «الشَّرقِ الأحمرِ -The East is Red» الَّتي ظهرتْ لأوَّلِ مرَّةٍ عام 1964م، و«على طولِ طريقِ الحريرِ -Along the Silk Road»، ظهرتِ العديدُ مِنَ الأعمالِ الجديدةِ الَّتي تعتمدُ على تقاليدِ الموسيقى الصِّينيّةِ القديمةِ، بما في ذلِك المسرحياتُ الموسيقيَّةُ الملحميَّةُ مثلُ «أغاني الثَّورةِ الصِّينيّةِ -Songs of Chinese Revolution»، و«الرَّقصةُ الاحتفاليَّةُ على طرازِ تَانْغ -Tang-style Concert Dance»، و«رَنِينُ الأجراسِ -Chime of Bells»، و«الرَّقصةُ الاحتفاليَّةُ على طرازِ شَانْغ آنْ -Chang’an -style Concert Dance»، والملاحمُ الموسيقيَّةُ الغنائيَّةُ الرَّاقصةُ مثلُ: «القصائدُ التِّسعُ -Nine Odes».

الفُنُونُ الجَمِيلَةُ

تمتازُ الصِّينُ بتاريخٍ طويلٍ في تطويرِ الفنونِ الجميلةِ، فقدْ تكوَّنتْ مناهجُ فريدةٌ لتأخذَ شكلاً أوليّاً يعودُ لسلالاتَي «شَانْغ -Shang» و«تشو -Zhou»، واتَّسمتِ الرُّسوماتُ والمنحوتاتُ وفنونُ العمارةِ والحِرفُ اليدويَّةُ بمستوَىً بالغِ الرَّوعةِ. ومنذُ مولدِ الرَّسَّامِين المحترفِين في عهدِ سُلالَتَي «وِي -Wei» وَ«جِينْ -Jin» الحاكِمتَين، احتفظتِ الرُّسوماتُ الصِّينيَّةُ بزخمِ تطوُّرِها عبْرَ أُسرِ «تَانْغ -Tang» و«سُونْغ -Song» و«يُوَانْ -Yuan» و«مِينْغ -Ming» و«تِشِينْغ -Qing» حتَّى اكتسبتْ في آخرِ الأمرِ أسلوبَها العالميَّ الَّذي يؤكِّدُ على العلاقةِ الوثيقةِ بينَ فنونِ الرَّسمِ والخطِّ اليدويِّ والشِّعرِ، بُغيةَ البحثِ عَن تكامُلٍ لا تشوبُه شائبةٌ يجمعُ بينَ الرَّسمِ والشِّعرِ والخطِّ اليدويِّ وقطعِ الأختامِ. وفي الوقتِ نفسه، تَمَّ صوغُ نظريَّةِ فلسفةِ الجمالِ التُّراثيَّةِ الَّتي تدافعُ عَن حبِّ الحياةِ في الشَّكلِ والمضمونِ، وتُؤكِّدُ صدارةَ الأخيرِ (المضمونِ)، كما ظهر نظامُ الفنِّ الشَّرقيِّ ليختلِفَ اختلافاً كليًّا عنِ الرَّسمِ الغربيِّ وليكونَ مُكوِّنًّا مُهمًّا مِن مُكوِّناتِ الثَّقافةِ الصِّينيَّةِ وفرعاً مُتفرِّداً في الفنِّ العالميِّ أيضاً. في أُسرةِ «تشِينْغ -Qing» اللَّاحِقةِ، بزغتْ زُمرةٌ مِنَ الرَّسَّامِين المُحدَثِين وشملتْ «رِينْ بُونْيَانْ -Ren Bonian» و«وو تَشَانْغ شُو -Wu Changshuo» و«تِشِي بَايْشِي -Qi Baishi» و«بَانْ تِيَانْشُو -Pan Tianshou». ومع إدخالِ فنونِ الرَّسمِ الغربيِّ بمرورِ الوقتِ، أخذَ نوعٌ جديدٌ مِن الرُّسوماتِ يظهرُ في الصِّينِ، مثلُ الرَّسمِ الزَّيتيِّ ورسوماتِ ألوانِ المياهِ وحفرِ الكليشيهاتِ، فظهر جيلٌ جديدٌ مِنَ الفنَّانِين مِن أمثالِ «شُو بَايهُونْغ -Xu Beihong»، و«تشانغ دَاتشيَانْ -Zhang Daqian» و«لِيُو هَايْسُو -Liu Haisu»، فأسهمَ كلٌّ منْهُم بنصيبِه في استجلَابِ فنَّ الرَّسمِ الغربيِّ إلى الصِّينِ.

لَوحَةٌ مِنِ العُرُوضِ الْأَنِيقَةِ فِي رَأْسِ السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ الْجَدِيدَةِ، لِـ«وُو تشَانْغُشُو»، سُلَالَةُ «تِشِينْغ» الْحَاكِمَةِ

كان تأسيسُ جمهوريَّةِ الصِّينِ الشَّعبيَّةِ بمنزلةِ الإعلانِ عنِ التَّطوُّرِ المتسارِعِ في مجالِ الفنونِ الجميلةِ، فنشأتْ أجيالٌ تلتْها أجيالٌ مِن الشُّبان الموهوبِين، وهو ما تسبَّبَ في اتِّساعِ المستوَياتِ الفنيَّةِ، فخرجتِ الرَّوائعُ الفنيَّةُ متدفِّقةً في سيلٍ لا ينتهي لدرجةِ أنَّ مجالَ الفنونِ الجميلةِ أصبحَ محلَّ اهتمامِ العامةِ أنفسِهم، وتلا ذلِك نشأةُ مساراتٍ أخرى جديدةٍ تهتمُّ بتعليمِهِ والبحثِ فيه وطباعتِه. ومِنْ ثَمَّ أصبحَ كلُّ يومٍ جديدٍ يحملُ مع شمسِه إشراقةَ ازدهارٍ فوقَ ازدهارٍ في الفنونِ الجميلةِ (سواءٌ شرقيُّها: رسمُ الحبرِ والغسلُ ورسمُ رأسِ السَّنةِ والرَّسمُ الرِّيفيُّ، أو غربيُّها: الرَّسمُ الزَّيتيُّ وفنُّ النَّحتِ ورسومُ الكارتُون والقصصُ الكوميديَّةُ). وعلى هَذا، بشَّر الإصلاحُ الصِّينيُّ وموجةُ الانفتاحِ بحلولِ عصرٍ ذهبيٍّ للفنونِ الجميلةِ، فأصبحَ التَّقدُّمُ لا يُضاهِى في معاييرِ الإبداعِ، وسارتِ الأعدادُ الضخمةُ مِن الشُّبانِ الواعدِين جنباً إلى جنبٍ مع التَّنوُّعِ العظيمِ في الأساليبِ والأشكالِ. واتَّسمتْ معظمُ أعمالِ تلِك الفترةِ باشتمالِها على صورٍ جديدةٍ ومجهوداتٍ مبتكَرةٍ مع تنوُّعِ التِّقنيَّاتِ الفنيَّةِ المتحوِّلةِ مِن النَّمطِ المعتادِ إلى مدارسَ متمايزةٍ بسماتٍ مُتعدِّدةٍ، وهذا يُعَدُّ دليلاً على غزارة التَّنوُّعِ في ذلِك العصرِ الجديدِ. وقد حاز كثيرٌ مِن هذِه الأعمالِ الاستحسانَ في الصين وخارجها.

الرَّقْصُ

للرَّقصِ الصِّينيِّ تاريخٌ طويلٌ وتراثٌ فنِّيٌّ بتميَّزُ بالثراءِ. وقدْ كان المُغنُّونَ والراقصون الصِّينيُّون متمكِّنِين منذُ بزوغ حضارتِهم. ويُذكَرُ أنَّه قبلَ نحوِ 4,000 - 5,000 عام، ظهرتْ مجموعةٌ متنوِّعةٌ مِن الرَّقصاتِ البدائيَّةِ، كرقصِ الصَّيدِ، ورقصِ الزِّراعةِ، ورقصِ المعاركِ، والرَّقصِ الشَّعائريِّ، والرَّقصِ الرُّومانسيِّ. وقدْ بلغَ الرَّقصُ الصِّينيُّ ذروتَهُ في عهدُ «سُلالةِ تشُو -Zhou Dynasty»، فهناك، على سبيلِ المثالِ، ما يُسمَّى برقصاتِ الأجيالِ السِّتةِ: «دَاوُو -Dawu» و«يُومِينْ -Yumen» و«دَاشِيَانْ -Daxian» و«دَاشَاوْ -Dashao» و«دَاشِيَا -Daxia» و«دَاهُوُو -Dahuo»، وتُمثِّلُ على التَّرتيبِ الرَّقصاتِ الشَّعائريَّةَ لستَّةِ عصورٍ مختلِفةٍ. وقدْ حُفِظ الكثيرُ مِن هَذا التُّراثِ غيرِ الماديِّ غالباً في شكلِ تراثٍ ملموسٍ، كاللَّوحاتِ الأرضيَّةِ، واللَّوحاتِ على جدرانِ الكهوفِ والصُّخورِ، وفي الوثائقِ التَّاريخيَّةِ، فضلاً عنِ الطُّوبِ المحفورِ وأحواضِ الفخَّارِ والتَّماثيلِ الفخَّاريَّةِ المُستخرَجةِ مِن المقابرِ القديمةِ. وشهِد عهدُ سلالةِ «هَانْ -Han» الحاكِمةِ بلوغَ الرَّقصِ الشَّعبيِّ ذروتِه. كما ازدهرتْ أنماطٌ رائعةٌ من الرَّقصِ، مثلُ رقصةِ «سِيتشُوَانْ -Sichuan» القديمةِ ذاتِ النَّمطِ الحربيِّ، ورقصةِ الوشاحِ والطَّبلِ الشَّهيرةِ باسمِ «دِرَامَا جِيَاوْدِيْ -Jiaodi Drama»، (وتُعرَفُ كذلِك باسمِ رقصةِ الأوشحةِ السَّبعةِ)، كما حقَّقتْ رقصةُ الأكمامِ الطَّويلةِ ورقصةُ الشَّريطِ شهرةً إبَّانَ عصرِ هذِه الأُسرةِ.

كما مثَّلتِ الجهودُ المشترَكةُ لمختلَفِ المجموعاتِ العِرقيَّةِ، في إبداعِ أنماطِ الرَّقصِ أثناءَ عهدِ أُسرَتَيْ «وِي -Wei» و«جِين -Jin» في الشَّمالِ والجنوبِ، أساساً متيناً لازدهارِ ثقافةِ الرَّقصِ في عهدِ الأُسرتَين التَّاليَتَين «سُوي -Sui» و«تَانْغ -Tang». وقدْ شهِد عهدُ سلالةِ «تَانْغ -Tang» ذروةً أخرى للرَّقصِ الصِّينيِّ، فأصبحَ البلاطُ الملكيُّ مركَزاً وقاعةَ عرضٍ للفنونِ الشَّعبيَّةِ لمختلَفِ المجموعاتِ العِرقيَّةِ، ليتحوَّلَ الرَّقصُ في هَذا العصرِ إلى ناقلٍ مُهمٍّ يحمل الصِّبغةَ الثَّقافيَّةَ للحضاراتِ الأُخرى وينشُرُ الثَّقافاتِ الشَّرقيَّةَ. وخلالَ عهدِ سلالتَي «سُونْغ -Song» و«يُوَانْ -Yuan»، اكتسب الرَّقصُ الشَّعبيُّ قوَّةً متزايِدَةً، بينَما استُعيضَ عنِ الرَّقصِ الكلاسيكيِّ الَّذي كانَ بارزاً في عهودِ الأُسرِ السَّابقةِ تدريجيًّا برقصِ الأوبرا التَّقليديِّ النَّاشيءِ، والَّذي نضجَ في عهدِ سلالتَي «مِينْغ -Ming» و«تشِينْغ -Qing».

وقدْ دخلَ التَّقدُّمُ المُحرَزِ في الرَّقصِ الصِّينيِّ مساراً سريعاً منذُ تأسيسِ جمهوريَّةِ الصِّينِ الشَّعبيَّةِ، ليصبحَ أكثرَ ثراءً وتطوُّراً ونضجاً. فقدْ ظهرتْ مدارسُ وفرقٌ مختلِفةٌ لَها سماتٌ مُميِّزةٌ عبْرَ البلادِ، لتُخرجَ كوكبةً منِ الشَّبابِ الرَّاقصِين المحترفِين. ومنذُ خمسينيَّاتِ القرنِ العشرين، ظهرتْ أشكالٌ عديدةٌ من الرَّقصِ، كالرَّقصِ والغناءِ الشَّعبيِّ، وحفلاتِ الرَّقصِ، والمسرحِ العِرقيِّ، والبالِيه الغربيِّ في المسارحِ الصِّينيَّةِ مع الألعابِ النَّاريَّةِ.

وفي إطارِ مبدأِ أنَّ كلَّ الزُّهورِ تزهرُ معاً، وأنه لا بُدَّ من التَّخلُّصِ منَ المُبتذَلِ لطرحِ الجديدِ، دخل فنُّ الرَّقصِ مرحلةً جديدةً في الصِّينِ، مع الكثيرِ منَ الأعمالَ الَّتي تعكسُ الحياةَ العصريَّةَ في النَّماذجِ الأصليَّةِ الَّتي تَمَّ إنشاؤُها، ومع المسرحِ المتطور ذي الأفكارِ الحديثةِ. وقدْ اكتسب الرَّقصُ الشَّعبيُّ قوَّةً منذُ خمسينيَّاتِ القَرنِ العشرين، وظهر مسرحُ «فَانُوسُ اللُّوتَسِ» لأوَّلِ مرَّةٍ في عام 1959م، وأصبح الحفلُ الرَّاقصُ المَلحميُّ: «الشَّرقُ الأَحْمَرُ» صيحةً وطنيَّةً في السِّتِّينيَّاتِ، ويُثبِتُ كلُّ هذَا التَّقدُّمَ البارزَ في فن الرقص والأداء في البلادِ.

صُورَةٌ جِدَارِيَّةٌ مِنْ عُرُوضٍ مُتَنَوِّعَةٍ، اكتُشِفَتْ فِي قَبْرٍ يَعُودُ لِسُلَالَةِ «هَان» الشَّرْقِيَّةِ الحَاكِمَةِ، «هُورنْغَر»، «مَنْغُولْيَا» الدَّاخِلِيَّةِ

وثَمَّة تطوُّرٌ آخرُ في مسرحِ الرَّقصِ، وهُو تكييفُ الباليه الأوروبيِّ ليناسبَ الجمهورَ الصِّينيَّ. واستنادًا إلى نجاحِ ما يزيدُ على 10 عروضِ باليه غربيَّةٍ كلاسيكيَّةٍ، أهمُّها: بُحَيرَةُ الْبَجَعِ والْقُرصَانُ، في أواخرِ الخمسينيَّاتِ، قدَّم الفنَّانُون الصِّينيُّون عدَّةَ عروضِ باليه تاريخيَّةٍ تُصوِّرُ الثَّورةَ الصِّينيِّةَ في عام 1964م، منها: كتيبةُ النِّساءِ الحمراءُ، و الفَتَاةُ ذاتُ الشَّعْرِ الأَبْيَضِ، لتكونَ خطوةً أولَى مشجِّعةً في التَّطويعِ المحلِّيِّ لفنِّ الباليه. وهَذا المَسلكُ مِن التَّطويعِ المحلِّيِّ بلغَ مرحلةً جديدةً في عام 1979م، عندَما تَمَّ عرضُ رقصٍ مسرحيٍّ عِرقيٍّ واسعِ النِّطاقِ لأوَّلِ مرَّةٍ عَلَى طُولِ طَرِيقِ الْحَرِيرِ. وقدْ كانَ هَذا إيذاناً بنوعٍ جديدٍ يُسمَّى رقصَ «دُونْ هُوَانْغ -Dunhuang»، وغدا المسرحَ الرَّاقصَ الأكثرَ نجاحاً في البلادِ مِن حيثُ عمرُ هَذا العرضِ وعددُ مرَّاتِه: فقدْ أُقيم العرضُ 1400 مرَّةٍ مِن عام 1979م إلى عام 2005م. وقدْ بشَّرتْ حقبةُ الثَّمانينِيَّاتِ بالتَّحوُّلِ مِن التَّركيزِ على التَّرويجِ إلى الدَّمجِ العميقِ الشَّامِلِ بينَ الرَّقصِ والفنونِ الأُخرى، وهِي الخطوةُ الَّتي غذَّتْ تطويرَ نمطٍ مُتنوِّعٍ ومُتعدِّدِ المُستوَياتِ لعدَّةِ أنواعٍ أساسيةٍ، كالرَّقصِ الكلاسيكيِّ والحديثِ والمُعاصِرِ والعِرقيِّ والشَّعبيِّ، إضافةً إلى الباليه.

كما نفَثتِ الثَّمانينيَّاتُ روحاً جديدةً في إنشاءِ فنِّ الرَّقصِ الصِّينيِّ. وقدَّمَ التَّبادُلُ الثَّقافيُّ الدَّولِيُّ المُتزايِدُ، لا سيَّما هذا التبادُلُ المُتعلِّقُ بثقافةِ الرَّقصِ، قوَّةً دافعةً وراءَ تطويرِ الرَّقصِ الصِّينيِّ. فعلَى خشبةِ المسرحِ تَمّ إنشاءُ وتقديمُ العديدِ مِن حفلاتِ الرَّقصِ الشَّعبيِّ وحفلاتِ الرَّقصِ الموسيقيِّ وِفْقَ الأنماطِ القديمةِ المشهورةِ بينَ الجمهورِ المحلِّيِّ والخارجيِّ بأشكالِها المُميَّزةِ وصبغتِها الخاصَّةِ، كحفلاتِ الرَّقصِ على نمطِ «تَانْغ»، وأصواتِ الجرسِ، والتَّحليقِ إلى القمرِ استناداً إلى الأساطيرِ الصِّينيَّةِ القديمةِ. وقدْ دخَل الرَّقصُ الصِّينيُّ مرحلةً جديدةً مِن التَّطوُّرِ في السَّنواتِ الأخيرةِ، حيثُ يشهدُ ابتكارَ أعمالٍ ذاتِ قيمةٍ فنيَّةٍ كبيرةٍ، مثلِ حفلةِ الموسيقى الرَّاقِصةِ العالميَّةِ (يُونَّان المُتحرِّكةِ)، والأعمالِ المشهورةِ كآلهة الرَّحْمَةِ ذَاتِ الَألْفِ يَدٍ، وغُرُوبِ الشَّمْسِ الْجَمِيلِ.

الأَفْلَامُ

تؤدي الأفلامُ دوراً مُهمًّا في تنميةِ الثَّقافةِ الصِّينيَّةِ، وتُعَدُّ لوناً مِن ألوانِ الفنِّ الحديثِ، وتسهمُ في نقلِ الموروثِ الثَّقافيِ الصِّينيِّ. شهدتِ الصِّينُ تطوُّراً هائلاً في صناعةِ أفلامِها على مدارِ أكثرَ مِن مئةِ عام، ابتداءً بتطويرِ أفلامِ السِّينما الصَّامتةِ إلى أفلامِ السِّينما النَّاطقةِ، وأفلامِ الأبيضِ والأسودِ إلى الأفلامِ الملوَّنةِ، ومِنَ التَّصويرِ التَّناظُريِّ إلى التَّصويرِ السِّينمائيِّ الرَّقميِّ، ومِن التِّقنيَّاتِ التَّقليديَّةِ إلى التِّقنياتِ الحديثةِ. وقدْ بزَغ فجرُ هَذا التَّطوُّرِ مع إنتاجِها لأوَّلِ فيلمٍ صينيٍّ، هو: «معركةُ جبل دِينْغ جُونْ -The Battle of the Mount Dingjun» في العاصمةِ بِكِينَ في عام 1905م ومع إصدارِ كتابٍ موسوعيٍّ عنوانُهُ: «التَارِيخُ المُصوَّرُ للسِّينمَا الصِّينِيَّةِ»، وقد اشتركَ في جمعِه أصحابُ الخبرةِ في هَذا المجالِ على امتدادِ البرِّ الصِّينيِّ و«هُونْغ كُونْغ -Hong Kong» و«تَايْوَان -Taiwan» في عام 2005م. تفوَّقتِ الصِّينُ في صناعةِ العديدِ مِن الأفلامِ البارزةِ، وكان بعضُها كلاسيكيَّاً متميزاً بثراءٍ هائلٍ في الإنتاجٍ، والتَّوزيعِ، وأنظمةِ الفحصِ، وقد حقَّقتْ بعض الأفلام معاييرَ تقنيَّة وفنيَّةً رفيعةَ المُستوَى. أصبحتِ الصِّينُ دولةً مِن أكثرِ دولِ العالمِ إنتاجاً للأفلامِ ومشاهدةً لها، بفضلِ اتِّباعِها مسارَ التَّنميةِ الَّذي حدَّدته خصائصُ صينيَّةٌ مميَّزةٌ. كما واكبتْ صناعةُ السِّينما الصِّينيَّةُ، خلالَ تاريخِ تطوُّرِها الَّذي يربُو على مئة عامٍ مِنَ الآلامِ والأمجادِ، التَّقدُّمَ الَّذي حقَّقتْه السِّينما العالميَّةُ وترقَّبتْهُ النَّهضةُ الصِّينيَّةُ، وحملتْ على عاتقِها مَهمَّةً مُقدَّسةً تمثَّلتْ في التَّفاني في نقلِ الثَّقافةِ الصِّينيَّةِ وتعزيزِ الرّوحِ الوطنيَّةِ والطُّموحِ. كما ارتقتِ الصِّينُ إلى آفاقٍ جديدةٍ في مجالِ الإبداعِ والابتكارِ مِن خلالِ مواصلةِ الجهودِ الدَّؤوبةِ، مستفيدةً من خصائصِها الفريدةِ وقدرتِها على التَّعبيرِ الفنِّيِّ والإبداعيِّ، ما أسهم في تطويرِ السِّينما العالميَّةِ إسهاماً بالغاً.

وبحلولِ نهايةِ عام 2013م، ارتفع عددُ قطاعاتِ صناعةِ الأفلامِ الصِّينيَّةِ إلى أكثرَ مِن مئة قطاعٍ مُتباينةِ الحجمِ، وبلغ عددُ الأفلامِ الَّتي أنتجتْها 638 فيلماً روائيًّا في السَّنةِ، فضلاً عَن عددٍ كبيرٍ مِنَ الأفلامِ التِّليفزيونيَّةِ وبعضِ الأفلامِ العلميَّةِ والأفلامِ الوثائقيَّةِ وأفلامِ الرُّسومِ المُتحرِّكةِ الشَّهيرةِ، فازت منْها العشراتُ بمجموعةٍ كبيرةٍ مِن الجوائزِ في المهرجاناتِ السِّينمائيَّةِ في أكثرَ مِن 40 دولةً، ما يبرهنُ بوضوحٍ على جاذبيَّةِ الثَّقافةِ الصِّينيَّةِ وقوَّةِ صانعِي الأفلامِ الصِّينيِّين. كما أنَّ الأفلامَ المُنتجَةَ في «تَايْوَان -Taiwan» و«هُونْغ كُونْغ -Hong Kong» إضافةً إلى تلْك الَّتي أنتجَها الصِّينيُّون المُغتربُون تمثِّلُ جزءاً مُهمًّا مِنَ السِّينما الصِّينيَّةِ، وقدْ أسهمتْ إسهاماً مهمًّا في تنميةِ صناعةِ السِّينما الصِّينيَّةِ وازدهارِ ثقافتِها وإعادةِ التَّوحيدِ السِّلميِّ للوطنِ الأمِّ.